​سياسة فلسطينيّة مُضطّربة

بقلم: 

مرّت 70 سنةً منذ حصول النكبة الفلسطينية، وما يقرب من ربعِ قرنٍ على اتفاق أوسلو، ونحن كفلسطينيين بخاصة، نعكف على وصف إسرائيل بأنها كيان صهيوني إرهابي، باعتبارها احتلّت الأرض الفلسطينية وهجّرت أصحابها واقترفت عشرات المذابح بحقهم، بدءاً بمذبحة دير ياسين ومروراً  بكفر قاسم وخانيونس إلى الحرم الإبراهيمي وجنين، والمجازر التي حصدت أرواح العديد من العوائل الفلسطينية على مدار ثلاث حملات عسكرية، التي كانت قد شنّتها ضد قطاع غزة باعتباره كياناً مُعادياً.

على مدى سني الحرب وسني السلام سواء بسواء، لم تقُم إسرائيل بكفّ يدها الاحتلالية ضد الفلسطينيين، والتي طالت أرضهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، بل وقامت بتطوير ممارساتها الصارمة باتجاههم وبقدرٍ صارخ، لم يكونوا يحلمون بها في يومٍ من الأيام، ولم يتوقعوا أن تستمر مأساتهم إلى هذا اليوم، وقد نفذت البلاد ومات الآباء والأجداد.

كما أنهم لم يدُر بخلدهم، أن تتدحرج أيديولوجيتهم الثوريّة، التي تعتمد الكفاح المسلح لتحرير الأرض والإنسان، إلى الكفر بالبندقية والإيمان بسياسة السلام، التي كانت بالنسبة لهم تبعاً للتجربة المريرة التي ابتلعوها بخاطرهم أو رغماً عنهم، أشد إيلاماً ممّا جلبته مرحلة الكفاح، حيث ضاعفت إسرائيل خلالها، من ممارساتها ضدهم، باعتبارها سياسة مأمونة وشرعية، وقد تحقق بموجبها الاعتراف بوجودها، وبشطب الميثاق الوطني الفلسطيني خلال يوم ربيعي مُشمس.

حتى الآونة الفائتة، تجدد الوصف ذاته، حينما أعلنت السلطة الفلسطينية، بأن إسرائيل الاحتلالية، هي واحدة من أهم منابع الإرهاب في الشرق الأوسط، باعتبار أن الظلم والقهر وسياسة التمييز العنصري والاضطهاد التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، هي من أهم الأسباب التي تخلق الارضية الخصبة للإرهاب وتساعد في انتشاره، خاصة وأن لديها من الوثائق والدلائل، التي تثبت تورط إسرائيل في تدمير حياة الفلسطينيين برمّتها.

على أي حال، نتفق مع السلطة، فيما وصلت إليه من الوصف، وهو مقبول لدى العامة حتى بين الإسرائيليين أنفسهم، ولكن نختلف معها بأن وصفها الذي وصفت به، لا يعدو كونه كلاماً وحسب، وليس جديّاً، كأن يصدر باعتباره إجراءً سياديّاً، حيث يجدر بها بناءً عليه، القيام باتخاذ إجراءات مناسبة إزاءها، كأن تقوم بقطع اتصالاتها بها، وإبداء ندمها على ما فات أيضاً.

جرت العادة، متى تم إدراج دولة أو منظمة أو حركة ما على أنها إرهابيّة، فإن الخطوة التالية هي إعلان الحرب ضدها، حتى تسقط أو تقوم بتغيير سلوكها، وليس إلى التعاون معها، فخلال الفترة الأخيرة عندما قام كلٌ من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، باتخاذ قرارٍ باعتبار تنظيم حزب الله اللبناني تنظيماً إرهابياً، فإنهما قصدا ما يقومان به، ما يعني التزام دول المجلس الخليجي بخاصة والدول الأعضاء في الجامعة ككل، بقطع العلاقات مع التنظيم، ومحاربته سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أيضاً إذا ما اقتضت الحاجة.

المبررات التي تقوم عليها السلطة بشأن عدم اتخاذها إي إجراءات ضد إسرائيل، هي مبررات ضعيفة، والتي تتلخّص في آمالها نحو إمكانية استئناف المفاوضات أملاً في التوصل إلى حلول نهائية، وبأنها تقع تحت ضغوطات أمريكية وغربية، تهدف إلى الحفاظ على كميّة الثقة بها، فيما إذا كانت لا تزال متمسّكة بمبدأ السلام، وللخشية من الوقوع في حُفر سياسية وماليّة، يصعب الخروج منها.

المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فعدم قدرة السلطة على اتخاذ أي إجراء كان، سطحيّاُ أو بليغاً، هوشفها بالإرهاب، ترى نفسها على التلّة، خاصةً وأنها لا تزال بمنأى عن أن يصفها أحد من المجتمع الدولي بذلك الوصف باعتباره لا ينطبق عليها، وأنها أحقّ بوصف الفلسطينيين بالإرهابيين والسلطة بالتحريض المنظم على الإرهاب، وتُساعدها في ذلك الولايات المتحدة، وتشهد أيضاً بأنها دولة حُرّة وديمقراطية.