انتفاضة ببث معاد… لا يتعلمون الدرس

الانتفاضة الثالثة

بقلم: بن كاسبيت

بعد يومين سيفتتح في تل ابيب «مؤتمر السلام» لصحيفة «هآرتس». نأمل بان حتى ذلك الوقت سيحفظ، على الاقل في تل ابيب، نوع من الهدوء . هناك حاجة للكثير من الشجاعة، للحديث عن السلام في هذه الازمنة، وهناك حاجة لان توجد «هآرتس» من أجل تنظيم مؤتمر سلام في ظل هذا الجنون.

نظرة عابرة الى قائمة الخطباء والمشاركين في الحدث تعيدني الى واقع مقلق. فالايام الاخيرة تذكر جدا باحداث تشرين اول 2000، الاضطرابات حيال عرب اسرائيل، والتي حج بعدها ارئيل شارون الى الحرم واندلعت الانتفاضة الثانية. وها هو، وكأن به يعود الى حياتنا عبر ذات مؤتمر السلام لـ «هآرتس» النجم الرئيس لتلك الايام قبل 14 سنة، من كان رئيس الوزراء ووزير الدفاع ايهود باراك. عائدا الى مكان الجريمة.
المتحدث المركزي في مؤتمر السلام سيكون شمعون بيرس. وقد خصصت له 30 دقيقة. لم يحصل أحد على مثل هذه المدة الزمنية الكبيرة. الثاني في الدول، فوق كل الاخرين، هو ايهود باراك، الذي ستجرى معه مقابلة على مدى 20 دقيقة. باراك، الرجل الذي اخترع عبارة «لا شريك». باراك، الرجل الذي أعلن بأنه سيصل الى «اتفاقي سلام ونصف في غضون سنة وربع»، والذي تلقى دولة هادئة وأعاد دولة مشتعلة ونازفة.
باراك، الذي في سنوات ولايته الاخيرة الاربعة كوزير دفاع، لدى نتنياهو، لم يقم حتى ولا بعمل واحد يمكن أن يعتبر كمشجع للسلام. يخيل لي أنه في كل هذه السنوات لم يلتقِ أيضا ابو مازن، واذا ما التقاه فلقاءات عابثة.

ثلاث جبهات

إذن هيا نلخص: السلام لن يكون في جيلنا، على ما يبدو. فماذا سيكون؟ ثلاث جبهات تهددنا في هذه اللحظة. مع خيار للتوسع. جبهة غزة، جبهة شرقي القدس، جبهة عرب اسرائيل (وادي عارة، كالمعتاد، مع فروع في قلنسوة وفي اماكن اخرى). وعلى الخطوط يسخن الشباب في هضبة الجولان والرفيق نصرالله. وصحيح حتى لحظة كتابة هذه السطور، تحاول اسرائيل السير بين القطرات، أو الادق – بين الصواريخ، دون أن تبتل. رب البيت لم يجن جنونه. فهو خائف، وهو مدمن على الهدوء، وهو لا يريد أن يجلب «صافرة انذار» الى تل أبيب. فهذا لا يروق له الان.
حماس، في غزة، تفعل بالضبط عكس ما قدرت الاستخبارات، الجيش الاسرائيلي والساحة السياسية. حماس تتصرف كالحيوان الجريح في الفخ. كونها وصلت الى القاع، فليس لها ما تخسره. الخلل الذي وقع لنا مع حماس هو أنها قمعت حتى التراب في الاشهر الاخيرة، فقدت عالمها، أغلقوا عليها من كل الاتجاهات، وهي الان في افلاس وعشرات الاف من رجالها في غزة لا يتلقون الرواتب. هذا هو السبب الذي يجعل حماس تهزأ من التقديرات في أنها غير معنية بالتصعيد وتتطلع الى التهدئة، وتواصل اطلاق النار.
حماس تشخص الضعف الاسرائيلي في مجال اتخاذ القرارات، وتستغله. هذه ميزة الضعيف، الجريح، ذاك الذي ليس له ما يخسره، على اولئك (نحن) الذين لهم الكثير جدا مما يخسروه، بالضبط عندما تبدأ العطلة الكبرى، موسم الاجازات واللحظات الحاسمة في المونديال. حماس تراهن الان على كل الصندوق، على أمل أن تخرج من هذه القضية على الاقل بكسر الحصار الاقتصادي. وأمس اطلقت صواريخ على بئر السبع فيما أن الاشارة واضحة: بعد بئر السبع يأتي دور ريشون لتسيون، وبعدها تل أبيب.

الاقلية تتطلع الى الفوضى

عرب اسرائيل؟ الاغلبية لا تريد المواجهة وغير معنية بالانتفاضة. ولكن توجد أيضا اقلية. وعلى طريقة الاقليات، فانها تتطلع الى الفوضى. أقلية تسمع حنين الزعبي ورفاقها، أقلية تستمتع بسمنة الديمقراطية الاسرائيلية ولكنها تمقتها وتمقت رموزها وما تمثله. أقلية لم يجبِ منها أحد ثمنا بعد اضطرابات تشرين الاول 2000، وهي الان ترفع رأسها البشع من جديد.
إرث ايهود باراك اياه، نبي السلام، كان لجنة التحقيق لفحص الاضطرابات اياها. ولجنة التحقيق اياها ولدت في الخطيئة والحقت ضررا استراتيجيا. ففي الاضطرابات قتل 13 مواطنا عربيا اسرائيليا، وباراك، الذي كان قبيل عشية انتخابات، اراد أن يصالح كيفما اتفق جمهور الناخبين الذي يفترض أن يصوت له (ولكنه لم يصوت) في 2011. وهكذا شكل لجنة تحقيق، وبعدها الطوفان.
كان ينبغي تشكيل لجنة تحقيق معاكسة. كان ينبغي أن يلقى في حينه الى السجن العشرات والمئات من المشاغبين، الذين هدموا، حطموا، سلبوا ونهبوا كل ما وقعت اليهم ايدهم، اغلقوا وأشعلوا أحد شرايين الحركة الاهم في الدولة، ممن دعوا الى «اذبح اليهود» في داخل الدولة اليهودية، وفي نهاية الامر ليس فقط لم يدفعوا ثمنا بل حصلوا على لجنة تحقيق رسمية بررتهم وبررت أفعالهم. 13 قتيلا؟ لو كانت هذه الاضطرابات اندلعت في الولايات المتحدة لانتهى الامر بعدد اكبر بكثير من القتلى. ناهيك عن روسيا. وبالمناسبة، فقد اندلعت في سوريا وانظروا ما يحصل هناك.

بقينا مع انتفاضة

في النهاية، عندما تبدد الغبار، لم يعد احد حقا يبحث عن المسؤولين عن اندلاع الاضطرابات اياها. ايهود باراك، قدم في حينه حسابا بمبلغ مئات الاف من الشيكلات، أجر محاميه واختفى الى «اعماله الخاصة». ونحن بقينا مع الانتفاضة. والان كلاهما يحاولان العودة. هو والانتفاضة. وهما يأتيان دوما بذات الشكل: الدم، العرق، النار والدخان، لجان التحقيق والتحقيقات.
اسرائيل ملزمة بسياسة. خطة سلام. حقيقية. لا شريك؟ لا حاجة لشريك. ولكن خطة حقيقية، مصداقة، شجاعة، يجب أن تكون موضوعة على الطاولة. رسمية. خطة يقف رئيس الوزراء خلفها، دون أن يخاف المستوطنين الذين اقاموا هنا دولة مستقلة خاصة بها، دون أن يتلعثم ودون أن يعتذر. وبصدور مثل هذه الخطة، يدعمها ويسندها العالم، يمكن لاسرائيل أن تفعل الامور التي ملزمة هي أن تفعلها، ولم تفعلها: تنظيف الارهاب في غزة. تفكيك القدرة الصاروخية لحماس، التي تغطي تل أبيب وهرتسيليا منذ الان. هذا يخيم، حتى، على اغلاق البقالات في السبت. صدقوني.
وشيء واحد آخر ينبغي لاسرائيل أن تفعله: أن توضح لعرب اسرائيل بان الحفلة انتهت. إما انهم مواطنو هذه الدولة، يحترمون القانون والنظام، يحترمون الديمقراطية ويقبلون إمرتها أو أنهم في الخارج. اغلبيتهم الساحقة معنا. فهم ليسوا أغبياء. الاقلية تنظر الى سوريا، الى مصر، الى لبنان، الى العراق، وعلى ما يبدو تحسد ما تراه هناك. إذن فليتفضلوا ويذهبوا الى هناك. ليس لهم مكان معنا.

معاريف

 

حرره: 
م.م