التهديد الحقيقي هو «داعش»

التهديد الحقيقي

تسفي برئيل

يوم الاربعاء هبط وفد سعودي رفيع المستوى في قطر في زيارة وصفت بانها «الفرصة الاخيرة» التي تمنحها السعودية لقطر كي تنسق البث بينها وبين باقي دول الخليج ولا سيما مع البحرين ودولة الامارات. وقد حاول هذا الوفد الاستثنائي الذي شارك فيه وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، وزير الداخلية ورئيس المخابرات السعودي، على مدى يومين من مداولاته الفحص اذا كانت قطر ستكون مستعدة لتغيير سياستها الخارجية ضد دول الخليج المتحدة في مجلس التعاون الخليجي، وبالاساس ان تكف عن دعمها للاخوان المسلمين الذين يعرفون في مصر، في السعودية وفي الامارات كمنظمة ارهابية.

ليس واضحا بعد ماذا حقق الوفد ولكن نتائج اللقاء سنعرفها على ما يبدو في اجتماع دول الخليج الذي سينعقد غدا (اليوم). قبل بضع ساعات من هبوط الوفد السعودي في قطر، التقى سعود الفيصل بضيف اسثتنائي آخر، وصل الى المملكة. فقد جاء نائب وزير الخارجية الايراني حسين عبداليان، للبحث في التعاون مع السعودية في صد انتشار «الدولة الاسلامية» في العراق وفي سوريا. فهل لهذه اللقاءت صلة باتفاق وقف النار مع حماس؟ وهل قطر هي التي استخدمت اوزان الضغط الاخيرة على خالد مشعل لقبول الاقتراح؟ يبدو أن الامور غير منقطعة. فالحرب في غزة، رغم الضجيج الكبير الذي أحدثته على مدى خمسين يوما، هي حدث هامشي نسبيا للخوف العميق من استمرار الازمة في سوريا، انتشار ظاهرة «الدولة الاسلامية» والخطر الذي يحدث بالعراق وبالاردن. وبالتالي كان ينبغي للازمة في غزة ان تزال عن الطاولة كي يكون ممكنا التفرغ للموضوع المركزي على جدول أعمال الشرق الاوسط والعالم.

السعودية ومصر، اللتان غضبتا من قطر وتركيا لما وصفتاه كتدخل احباطي للمسيرة التي تحتفظ مصر باحتكار ادارتها، بدأتا تعملان لتعطيل تأثير قطر، الممولة الاساسية لحماس. وايران بالذات، التي انقطعت علاقاتها مع حماس على نحو شبه تام منذ انقطعت حماس عن سوريا في العام 2012، انضمت الى الدول العربية التي أيدت المبادرة المصرية الاولى. وبعد وقف النار هذا الاسبوع، اشار صحفيو ايران فقط الى انجازات «المقاومة» دون أن يخرجوا عن اطوارهم بالثناء على قيادة حماس. وهكذا فان لايران، مثلما للسعودية ولمصر، توجد الان مصلحة مشتركة أهم من حماس للانشغال بها.

لقد تحمل اساس العبء الدبلوماسي في ادارة الاتصالات في غزة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي تعد هذه هي تجربته الاولى في ادارة ازمة دولية. وكانت معضلته صعبة. كيف يواجه هجوما اسرائيليا على مدنيين فلسطينيين وفي نفس الوقت الا يسمح لحماس بتحقيق مرابح سياسية داخلية وخارجية تخدم الاخوان المسلمين في مصر. وقد قرر السيسي بانه عندما تكون معضلة – لا معضلة. فبعد أن قرر الا تكون الولايات المتحدة شريكا في الادارة الجارية للمفاوضات، باسناد السعودية وبتنسيق وثيق مع اسرائيل، اصبح الاقتراح المصري المرسى الوحيد الذي لا يوجد غيره وحوله ينبغي ربط حماس.

لقد وضع هذا الموقف حماس امام مشكلة. فهل عليها أن تخاطر بفقدان المساعدة من قطر في أن تتبنى المبادرة المصرية أم تفضل التمويل القطري فتواصل بذلك القطيعة بين غزة وانبوب الحياة المصري لها. ويحتمل ان يكون مخزون السلاح والذخيرة لحماس في غزة، والذي أخذ في الهزال، أثر على قرار خالد مشعل. كما أن الفهم بان الجهاد الاسلامي، شريك الطريق الذي يمكن أن يستخدم الفيتو على قرارات حماس، كان يميل الى قبول الاقتراح المصري، ساهم في القرار، ولكن لا شك ان الدائرة العربية الخارجية عملت هنا بشكل استثنائي فيما استخدمت وسائل الاعلام التي لديها كي تؤطر حماس كمنظمة تمس بمصالح العرب.

ولكن المجد الذي حققه السيسي بتحقيق وقف النار هو نفسه الذي يلقي عليه الان بالمسؤولية عن ادارة مفاوضات ناجحة بين الحكم الفلسطيني وبين اسرائيل. ففي الاسابيع القريبة القادمة ستجري هذه المفاوضات في القاهرة على المواضيع الجوهرية مثل اعمار غزة، بناء ميناء ومطار، تحرير سجناء ورفع الحصار، غير أنه اذا ما نجحت السعودية في مساعيها لاعادة قطر الى الصف العربي، ستبقى حماس بلا روافع ضغط تقريبا. وستكتفي بكل ما يوافق المصريون والسعوديون على منحها اياه وهذا لن يكون كثيرا. وفي هذه المرحلة سينتقل الدول المركزي الى ايدي محمود عباس. اعمار غزة، الرقابة على المعابر، تجنيد الاموال وتوزيعها سيمر عبره. ومع ان عباس امتنع عن ان يفصل هذا الاسبوع ما هي «المفاجأة» التي وعد بطرحها، ولكن صلاحياته كرئيس دولة اعترف بها جزئيا في الامم المتحدة تتيح له المطالبة باعتراف كامل، الانضمام الى دستور روما وعبره الى محكمة الجنايات الدولية. ولهذا فان لديه أوراق مساومة شديدة القوة حيال اسرائيل تخضع حماس أيضا الى الصراع السياسي.

اسرائيل هي الاخرى غير محررة تماما من قيود الدائرة العربية. فاستمرار التنسيق الضروري مع مصر، وبشكل غير مباشر مع السعودية، سيلزمها بالسير على الخط مع المواقف المصرية في ظل الفهم في أن هذه لن تتناقض مع الحد الادنى الاسرائيلي. هذا هو الثمن الذي يتعين على اسرائيل أن تدفعه لغزة كي تحافظ على علاقاتها الطيبة مع السيسي وتعتبر كشريك هاديء في السياقات الاوسع التي تخطط لها القيادة العربية في الشرق الاوسط. وفي هذه تندرج ضمن امور اخرى مبادرة جديدة يوشك السيسي ان يعرضها على الجامعة العربية لحل الازمة في سوريا . وحسب المنشورات التي صدرت هذا الاسبوع، فان السيسي سيقترح الحوار بين كل الفصائل المتخاصمة في سوريا باستثناء المنظمات الاسلامية المتطرفة، اقامة حكومة انتقالية تحل محل الاسد، والموضوع المركزي هو اقامة تحالف عسكري عربي ودولي للقتال ضد الدولة الاسلامية. مبادرة السيسي جديدة، ولكنها حاليا تصطدم بموقف ايران، التي بعثت بقوات الى سوريا وشاركت مؤخرا بالقتال ضد «الدولة الاسلامية» في العراق. ولا تزال ايران تتمسك باستمرار حكم الاسد.

ان فكرة اقامة تحالف عسكري عربي ودولي، حتى لو لم يخرج الى حيز التنفيذ، سيضع السيسي ومصر في دور مدير الاستراتيجية العربية، المكانة التي ساهمت فيها الحرب في غزة مساهمة كبيرة. وعلى الطريق يتعين على مصر والسعودية أن تخضعا قطر التي تمول الميليشيات الاسلامية في سوريا وبالاساس الاخوان المسلمين، وذلك كي لا يسمح اي حكم يقوم في سوريا بنهضتهم السياسية. واذا ما ارضيت قطر، فليس حماس فقط يتعين عليها ان تفكر بجدية باستمرار تمسكها بالكفاح المسلح، بل ان الصراع ضد الدولة الاسلامية كفيل بان يكون أكثر نجاعة بكثير.

 

هآرتس