دولة واحدة ولغتان

دولة واحدة ولغتان

يدعو عدد من أعضاء الكنيست اليمينيين إلى إلغاء اعتبار اللغة العربية لغة رسمية في اسرائيل
موشيه آرنس

متى يجب على دولة ما أن تأخذ بلغتين رسميتين؟ يبدو الجواب مفهوما من تلقاء نفسه وهو حينما تكون لغة الأم لأقلية كبيرة بين مواطني الدولة تختلف عن اللغة التي تتحدث بها الأكثرية، لا لتسهيل حياة المواطنين فقط الذين لا يحسنون لغة الأكثرية بل – ولا يقل هذا أهمية – لتمكين أبناء الأقلية من الشعور بأنهم ليسوا اجانب في الدولة.
كم يجب أن تكون الأقلية كي يؤخذ بلغتها على أنها لغة رسمية ثانية في الدولة التي تعيش فيها؟ يمكن أن تكون كندا وهي واحدة من أكبر الدول الديمقراطية في العالم مثالا يُحتذى. فبرغم أن أكثر الكنديين يتكلمون الانجليزية – وهي اللغة الرسمية في كندا – تُعرف الفرنسية التي هي لغة أكثر من 20 بالمئة من مواطني الدولة، هي ايضا بأنها لغتها الرسمية، وهما بحسب الدستور ذواتا مكانة وحقوق متساوية فيما يتعلق باستعمالهما في مؤسسات الحكومة. وتصرف الحكومة الاتحادية شؤونها وتمنح خدماتها باللغتين. وقد شمل رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر جملا من الفرنسية في خطبة بالانجليزية خطبها في الكنيست في زيارته الاخيرة لاسرائيل، وكان ذلك مثالا واضحا من أعلى مستوى حاكم على مكانة اللغة الفرنسية في كندا.
تتمتع العربية وهي لغة أكثر من 20 بالمئة من مواطني اسرائيل بمكانة مشابهة، نظريا. وتُعرف بأنها لغة رسمية في الدولة – وهي مكانة بقيت بلا تغيير منذ أيام الانتداب البريطاني – لكنه ليس للغة العربية في اسرائيل في واقع الامر نفس المكانة التي للفرنسية في كندا. ومن المنطق أن نفرض أن أكثر اعضاء الحكومة الكندية وموظفي ادارة الكبار يتحدثون الفرنسية بطلاقة مثل رئيس وزراء كندا. ولا يشبه هذا الوضع في اسرائيل بالطبع.
كان يمكن أن نتوقع أن تخطو الكنيست والحكومة في اطار الجهد لادماج مواطني اسرائيل العرب في حياة المجتمع والاقتصاد – ويبدو هذا أهم تحد يواجه اسرائيل اليوم – خطوات لتعزيز منزلة اللغة العربية، لكن عددا من اعضاء الكنيست يؤيدون بدل ذلك قانونا يلغي مكانة اللغة العربية بصفتها لغة رسمية.
ما هو المنطق الموجود في أساس تلك الخطوة البرلمانية العجيبة، وكيف يُسوغونها؟ ليس الحديث فقط عن إهانة لمواطني اسرائيل العرب بل عن إضرار بمصالح الدولة ايضا. فاذا لم يؤثر فيهم المثال الكندي فانني أقترح عليهم أن يقرأوا ما كتبه زئيف جابوتنسكي في هذا الشأن.
تناول جابوتنسكي في كتابه الاخير، «الحرب واليهود»، الذي كتب بعد نشوب الحرب العالمية الثانية ويحدد فيه اهداف الحرب للشعب اليهودي ويعرض الدعاوى التي تؤيد انشاء دولة يهودية في ارض اسرائيل بعد الانتصار على الالمان – تناول منزلة اللغات في الدولة اليهودية المستقبلية:
«ستتمتع العبرية والعربية بحقوق متساوية ومنزلة دستورية متساوية. وسيكون الحديث بالعبرية والعربية ذا منزلة دستورية متساوية في البرلمان والمحاكم والمدارس وفي كل جسم تابع للدولة، على نحو عام. وسترد كل مكاتب الدولة على كل طالب شفهيا وخطيا باللغة التي توجه بها إليها سواء أكانت العبرية أم العربية».
سيُحتاج في الوضع الحالي الى وقت طويل لتحقيق رؤيا جابوتنسكي هذه، لكن المسيرة يجب أن تبدأ، ومن الواضح أن الخطوة الاولى وأهم خطوة من جوانب كثيرة يجب أن تكون تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية في اسرائيل. ويجب أن تصبح العربية مادة الزامية وأن تُدرس في مستوى يستطيع معه كل خريجي المدارس أن يتحدثوا بها ويكتبوا بها بطلاقة.
كان يفضل أن يعاود اعضاء الكنيست الذين يقترحون الغاء منزلة اللغة العربية بصفتها لغة رسمية في اسرائيل، أن يعاودوا النظر قليلا فيما كتب جابوتنسكي.

هآرتس 10/9/2014

موشيه آرنس

حرره: 
م.م