ما هو الاتفاق الاقتصادي بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي؟

ما هو الاتفاق الاقتصادي بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي؟

زمن برس، فلسطين:  تتزايد المخاوف الإسرائيلية من اتساع رقعة المقاطعات الدولية في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة. وبالتوازي مع موجة الاعتراف الواسعة بدولة فلسطين، تتوسع أشكال مقاطعة إسرائيل على المستويات السياسية والثقافية والرياضية والفنية والاقتصادية. حتى الآن، ما تزال هذه المقاطعات بمعظمها غير رسمية، إلا أن القلق يتعاظم من إمكانية انتقالها إلى خطوات رسمية وملزمة.

وتبرز المخاوف الإسرائيلية بشكل خاص من احتمال أن يقدم الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات اقتصادية، تصل إلى حد تعليق الاتفاق التجاري والاقتصادي القائم بينه وبين إسرائيل. فبعد أن كان موضوع العقوبات الاقتصادية والتجارية موضع خلاف داخل الاتحاد الأوروبي، بدأت مواقف الدول الأعضاء تقترب أكثر نحو تبنّي هذه العقوبات، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا اقتصاديا استراتيجيًا بالغ الخطورة.

ما هو الاتفاق الاقتصادي بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي؟

الاتفاق الأول لعام 1964

وُقّع أول اتفاق تجاري بين إسرائيل والدول الست المؤسسة للاتحاد الاقتصادي الأوروبي (التي أصبحت لاحقًا الاتحاد الأوروبي) عام 1964. مدة الاتفاق كانت ثلاث سنوات قابلة للتمديد. نطاق الاتفاق كان محدودًا، وركّز بشكل أساسي على خفض الرسوم الجمركية والقيود على التجارة بسلع معيّنة مثل المنتجات الصناعية وبعض المنتجات الزراعية.

اتفاق التفضيل لعام 1970

في عام 1967 بدأت مفاوضات لتمديد وتوسيع نطاق الاتفاق الأول. نتج عنها توقيع "اتفاق التفضيل" عام 1970 لمدة خمس سنوات. بموجب الاتفاق، تم توسيع خفض الرسوم الجمركية وإزالة الحواجز التجارية على تبادل السلع. ومع ذلك، ظل الاتفاق محدودًا، حيث لم يشمل سوى أقل من ثلث الصادرات الصناعية الإسرائيلية، بالإضافة إلى عدد قليل من المنتجات الزراعية.

اتفاق إنشاء منطقة تجارة حرّة لعام 1975

جاء الاتفاق بعد توسّع الاتحاد الأوروبي وتطبيق "البرنامج الشامل لدول البحر الأبيض المتوسط". تم توقيعه عام 1975، ويُعتبر أول اتفاق للتجارة الحرّة لإسرائيل. أنشأ الاتفاق إطارًا شاملاً لتنظيم العلاقات التجارية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

أهم آثار الاتفاق كان الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية على جميع السلع الصناعية المتبادلة بين الطرفين. وتعزيز حركة التجارة بين إسرائيل والدول الأوروبية بشكل ملحوظ. وتقريب العلاقات بين الجانبين، وخلق أرضية مشتركة للارتقاء بالتعاون إلى مستوى أوثق في السنوات اللاحقة.

شكّلت هذه الاتفاقيات الأساس لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى اتفاقية الشراكة (Association Agreement) الموقعة عام 1995، التي لا تزال الإطار القانوني الأساسي للعلاقات حتى اليوم.

اتفاقية الشراكة (اتفاقية الانتساب) 1995

تم توقيع اتفاق الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي رسميًا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، ويُعرف أيضًا باسم "اتفاقيات الانتساب" (Association Agreements). جاءت هذه الاتفاقية كجزء من "عملية برشلونة"، التي شكّلت الإطار السياسي المعروف باسم "الشراكة الأوروبية – المتوسطية". دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في 1 حزيران/يونيو 2000، وصادقت عليها لاحقًا جميع الدول الـ 13 التي انضمّت إلى الاتحاد الأوروبي بعد ذلك.

أهداف الاتفاقية:

- تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء من جهة، وبين 12 دولة متوسطية لم تكن أعضاء في الاتحاد حينها من جهة أخرى.

- إنشاء نظام شامل وواسع ينظّم معظم مجالات التجارة الدولية بين الطرفين.

- التوسّع ليشمل أيضًا المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، بما يعكس طبيعة الشراكة الشاملة بين الاتحاد وإسرائيل.

تُعتبر هذه الاتفاقية حجر الأساس في العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، إذ تجاوزت نطاقها التجاري لتشمل أبعادًا سياسية واجتماعية وثقافية، مما جعلها الإطار الأكثر شمولًا واستمرارية في مسار العلاقات الثنائية حتى اليوم. كما أسهمت هذه الاتفاقية في جعل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، من حيث حجم التبادل التجاري وتنوّع مجالات التعاون.

الاتحاد الأوروبي: الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل

يُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأهم لإسرائيل، إذ يستحوذ على نحو 32% من إجمالي تجارة إسرائيل مع العالم في عام 2024. بلغ إجمالي حجم التجارة بين الجانبين 42.6 مليار يورو. من هذا المجموع، وصلت الواردات الإسرائيلية من الاتحاد الأوروبي إلى نحو 26.7 مليار يورو، في حين بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي حوالي 15.9 مليار يورو.

يتركّز التبادل التجاري بشكل أساسي في ثلاث قطاعات رئيسية: الآلات ومعدّات النقل، المواد الكيميائية، السلع المصنّعة الأخرى.

وفقًا للمعطيات الأخيرة الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، يتّضح أن حجم وحصّة التجارة مع الاتحاد الأوروبي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة ما بين 2020 و2023، ما يعزّز مكانة الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل.

الصادرات الإسرائيلية للاتحاد الأوروبي بلغت عام 2023 نحو 17.8 مليار دولار، أي ما نسبته 28% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية (جدول 1). بالمقارنة، عام 2020 بلغت الصادرات نحو 11 مليار دولار فقط، شكّلت 22% من إجمالي الصادرات.

الواردات الإسرائيلية من الاتحاد الأوروبي بلغت عام 2023 إلى نحو 31 مليار دولار، أي ما نسبته 33% من إجمالي الواردات الإسرائيلية (جدول 2). بينما كانت عام 2020 في حدود 24.5 مليار دولار، شكّلت 35% من إجمالي الواردات.

جدول 1: الصادرات الإسرائيلية وحصة الاتحاد الأوروبي (ملايين الدولارات)

جدول 2: الاستيراد من الاتحاد الأوروبي (ملايين الدولارات)

توضح معطيات سكرتارية الاقتصاد والتجارة في الاتحاد الأوروبي (2024) حجم التبادل التجاري لعام 2024:

- بلغ إجمالي التجارة في السلع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل عام 2024 نحو 42.6 مليار يورو: واردات الاتحاد الأوروبي من إسرائيل بلغت 15.9 مليار يورو. وصادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل بلغت 26.7 مليار يورو.

- بلغ إجمالي التجارة في الخدمات بين الطرفين نحو 25.6 مليار يورو. بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من الخدمات الإسرائيلية 10.5 مليار يورو، وحجم صادرات الاتحاد الأوروبي من الخدمات إلى إسرائيل: 15.1 مليار يورو.

- احتلّت إسرائيل المرتبة 31 بين شركاء الاتحاد الأوروبي التجاريين عالميًا، حيث شكّل التبادل التجاري بين الجانبين نحو 0.8% من إجمالي تجارة السلع للاتحاد الأوروبي مع العالم.

- في منطقة البحر المتوسط، تُعَد إسرائيل ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد المغرب والجزائر.

- يُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، إذ شكّل 32% من إجمالي تجارة السلع الإسرائيلية مع العالم في عام 2024.

- بلغت نسبة واردات إسرائيل من الاتحاد الأوروبي: 34.2%.

- بلغت نسبة صادرات إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي: 28.8%.

التداعيات المحتملة

أي تدهور في العلاقات التجارية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ستكون له تداعيات مباشرة وعميقة على الاقتصاد الإسرائيلي، أبرزها: فقدان أسواق رئيسية للصادرات الإسرائيلية؛ تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض معدل النمو؛ تراجع مستويات التشغيل والدخل نتيجة انكماش القطاعات المرتبطة بالتجارة الخارجية؛ تراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب تزايد المخاطر الاقتصادية والسياسية؛ صعوبة الحصول على المواد الخام والمعدات الضرورية للصناعة والاستهلاك المحلي.

إلى جانب الجانب التجاري البحت، تشمل الاتفاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي مجالات تعاون استراتيجية أوسع، من أبرزها:

اتفاقية "الأجواء المفتوحة" الخاصة بالرحلات الجوية، التي تُسهّل حركة الطيران والسفر وتدعم السياحة والتبادل التجاري.

برامج تبادل الطلاب، التي تعزز التواصل الأكاديمي والثقافي وتفتح فرصًا للتعليم والتدريب في المؤسسات الأوروبية والإسرائيلية.

برنامج التعاون البحثي "هورايزن"، الذي يوفّر تمويلات بمئات ملايين اليوروهات للجامعات ومراكز البحث العلمي في إسرائيل، ما يسهم في تطوير الأبحاث الأكاديمية ودعم الابتكار العلمي.

القرار نتيجة خرق إسرائيل لبنود الاتفاق التجاري

أعلن الاتحاد الأوروبي في 16 أيلول/سبتمبر الجاري عن إعادة النظر في اتفاقية الشراكة الموقّعة مع إسرائيل، وذلك على خلفية حرب الإبادة على غزة ورفضها إدخال الغذاء والمساعدات الإنسانية. يُعدّ هذا القرار خطوة غير مسبوقة تهزّ أسس العلاقات بين إسرائيل وأكبر شريك تجاري لها. ومع ذلك، يحتاج القرار إلى مصادقة رؤساء دول الاتحاد الأوروبي ليصبح نافذًا.

يتضمّن المقترح تعليق البنود التجارية الرئيسية في اتفاقية الشراكة، ما يعني فقدان الامتيازات التفضيلية التي تتمتع بها البضائع الإسرائيلية في السوق الأوروبية. في حال إقرار القرار، ستُفرض على الواردات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي رسوم جمركية عادية كما هو الحال مع الدول التي لا ترتبط باتفاقيات تجارة حرّة مع الاتحاد. إلى جانب ذلك، سيقوم الاتحاد الأوروبي بـوقف الدعم الثنائي لإسرائيل، مع استثناء الدعم الموجّه إلى المجتمع المدني.

جاء اقتراح تعليق بعض بنود اتفاقيات التجارة، الذي قدّمته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بعد فحص مدى التزام إسرائيل بالمادة الثانية من الاتفاقية، والتي تنصّ على أن علاقات الطرفين يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.

واعتبرت المفوضية الأوروبية أن إجراءات الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، وتوسيع العمليات العسكرية، وقرار المضي قدماً في خطة الاستيطان في منطقة E1 بالضفة الغربية، تُشكّل جميعها انتهاكًا صريحًا لهذه المادة وتمسّ بشكل مباشر بفرص حلّ الدولتين.

يأتي اقتراح الاتحاد الأوروبي في وقت بدأت فيه عدة دول أوروبية بالفعل بفرض مقاطعات فردية على التجارة مع إسرائيل، ولا سيما في مجالي تجارة الأسلحة وشراء منتجات الصناعات العسكرية الإسرائيلية. خطوة من هذا النوع على المستوى الأوروبي من شأنها أن تعمّق الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية، خاصة إذا تم إقرار قرار تعليق اتفاق التجارة أو تقييد بعض بنوده.

وتخشى إسرائيل أن يؤدّي إقرار الاتحاد الأوروبي وقف الاتفاق التجاري إلى دفع دول أخرى من خارج الاتحاد إلى تبنّي مواقف مماثلة، الأمر الذي قد يُفاقم من عزلتها الدولية ويُضاعف من أزمتها الاقتصادية والسياسية.