قراءة في تقييم إسرائيلي: هجمات إيران تغيّر ميزان القوة في الشرق الأوسط

قراءة في تقييم إسرائيلي: هجمات إيران تغيّر ميزان القوة في الشرق الأوسط

زمن برس، فلسطين:  توصلت دراسةٌ أعدّها الباحثُ العسكري الإسرائيلي أرييه أفيرام، ونشرها معهدُ الأمن القومي، إلى أن الهجمات الإيرانية على إسرائيل من 13 إلى 24 حزيران/يونيو الماضي أظهرت قدرةَ إيران على دمجِ الصواريخ الباليستية مع الطائراتِ المسيَّرة الانتحارية بشكلٍ متزامنٍ وبكثافةٍ غير مسبوقة، ما وضع الدفاعاتِ التقليديةَ ومفاهيمَ الردع الإقليمي في إسرائيل أمام اختبارٍ حقيقي.

النتيجةُ الأبرز التي توصلت إليها الدراسة تتمثل في قدرة إيران على ضرب العمق الإسرائيلي دون مواجهةٍ بريةٍ مباشرة، ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في ميزان الردع الإقليمي. إذ أصبحت الهجماتُ أداةً استراتيجيةً لإعادة تشكيل موازين القوة

وأوضحت الدراسة أن إيران أطلقت خلال 12 يومًا نحو 500 صاروخٍ باليستيٍّ طويلِ المدى وأكثر من 1,000 طائرةٍ مسيّرةٍ انتحارية. وتدّعي إسرائيل أن منظومةَ الاعتراض الجوية نجحت في اعتراض أكثر من 80٪ من الصواريخ و99٪ من الطائرات المسيّرة، في حين نجح 63 صاروخًا في اختراق الدفاعات، ما أسفر عن مقتل 28 شخصًا وإلحاق أضرارٍ واسعةٍ بمئات المباني وتركِ آلاف المستوطنين بلا مأوى. كما استهدفت الهجماتُ البنيةَ التحتية الحيوية مثل مستشفى سوروكا في بئر السبع، ومنشأة "بازن" في حيفا، ومعهد فايتزمان في رحوفوت، إلى جانب منشآتٍ عسكرية، ما يعكس البُعدَ الاستراتيجيَّ للهجوم.

تشير الدراسة إلى أن إيران صمّمت هجماتٍ متزامنة تبدأ بالطائرات المسيّرة لتشتيت منظومات الاعتراض الجوية وإرهاق الرادارات قبل إطلاق الصواريخ الباليستية عالية الدقة. هذه الاستراتيجية تمثّل قفزةً تكتيكيةً ونوعيةً، إذ أظهرت الطائراتُ المسيّرة من نوعي "شاهد 136" و"شاهد 107" قدرةً على الالتفاف حول منظومات الاعتراض التقليدية وتحقيقَ اختراقاتٍ محدودةٍ لكنها مؤثرة، ما يعكس تحوّلَ إيران من الاعتماد على الصواريخ الباليستية فقط إلى منظومةٍ هجوميةٍ متكاملة.

وتنوّعت الصواريخ المستخدمة بين "قدر 110" و"سجيل" و"ذو الفقار" و"حج قاسم" و"خرمشهر" و"فتّاح 1" و"عماد"، لتغطي مدى يتراوح بين 700 و2,500 كيلومتر. بعضها مزوّدٌ برؤوسٍ متعددةٍ أو فرطِ صوتيةٍ وأنظمةِ توجيهٍ معدّلةٍ فضائيًا، مع قدرةٍ على المناورة لتفادي الدفاعات الجوية. وتؤكد الدراسة أن الهجوم أظهر قدرةَ إيران على تنفيذ موجاتٍ هجوميةٍ مركبةٍ يصعب على أي نظامٍ دفاعي التعاملُ معها بالكامل.

أما النتيجةُ الأبرز التي توصلت إليها الدراسة فتتمثل في قدرة إيران على ضرب العمق الإسرائيلي دون مواجهةٍ بريةٍ مباشرة، ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في ميزان الردع الإقليمي. إذ أصبحت الهجماتُ أداةً استراتيجيةً لإعادة تشكيل موازين القوة، ما يجعل أيَّ اعتداءٍ على مصالح إيران أو حلفائها محفوفًا بمخاطر مباشرةٍ ومرتفعة، مع إضافةِ بُعدٍ جديدٍ للردع عبر استهداف مراكز استراتيجية بعيدة عن خطوط المواجهة التقليدية.

وتميّزت الهجماتُ الإيرانية بدمج الضربات الباليستية مع موجاتٍ من الطائرات المسيّرة بشكلٍ متزامنٍ ومكثف، مما جعلها أكثر صعوبةً للاعتراض وأكثر تأثيرًا على البنية التحتية والنفسية للمستوطنين. فالطائرات المسيّرة "شاهد 136" و"شاهد 107"، ذاتُ الرؤوسِ الحربيةِ الدقيقة والمحدودة، شكّلت تحديًا للدفاعات التقليدية، في حين زادت الصواريخُ الفرطُ صوتية مثل "فتّاح 1" و"حج قاسم" من فعالية الردع التكتيكي.

وبحسب الدراسة، فقد تجاوزت إيران مرحلةَ تطوير الصواريخ الباليستية إلى مرحلةِ التكاملِ العملياتي بين الصواريخ والطائرات المسيّرة، ما يعكس توجهًا استراتيجيًا واضحًا يجعل الهجماتِ الإيرانيةَ أكثر تعقيدًا، ويضع إسرائيلَ وحلفاءَها أمام تهديدٍ متعدّدِ الأبعاد يجمع الكمَّ والدقةَ والسرعةَ والتوقيتَ المتقن. فالعمليةُ تمثل قفزةً نوعيةً في القدرة الإيرانية على إعادة رسم ميزان الردع في المنطقة.

وتشير الدراسة إلى أن المزجَ الكثيف والمتزامن للضربات الباليستية والطائرات المسيّرة يمثل تحديًا كبيرًا للدفاعات الجوية الإسرائيلية، ويعكس تحوّلَ إيران إلى قوةِ ردعٍ متعدّدة الأبعاد قادرةٍ على التأثير في المعادلات الإقليمية دون خوض حربٍ بريةٍ مباشرة. فالعملية أثبتت أن الردعَ الإقليمي لم يعد يرتكز على القدرات التقليدية فقط، بل على القدرة التكتيكية لإحداث اختراقاتٍ متزامنةٍ وضربِ أهدافٍ استراتيجيةٍ بحرفيةٍ عالية.

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن الهجماتِ الإيرانية بهذا المستوى تعيد تشكيلَ ميزان الردع الإقليمي، وتجعل من الصعب الاعتماد على الردع التقليدي أو القوة الجوية لمواجهة التهديدات. فاستمرار مثل هذه القدرات الإيرانية قد يدفع إسرائيل إلى تطوير أنظمةِ دفاعٍ جويٍّ أسرعَ وأكثرَ دقة، تشمل صواريخَ ومنظوماتِ رصدٍ ذكيةً وأسلحةً إلكترونيةً لتشويش الملاحة الباليستية والمسيّرة. أما على المستوى السياسي، فتمثل العملية رسالةً استراتيجيةً واضحةً لدول المنطقة مفادها أن إيران قادرةٌ على توجيه ضرباتٍ مركّزةٍ ومتعدّدة الأبعاد، ما يضغط على صُنّاع القرار الإسرائيلي لتعزيز التعاون مع الحلفاء وتعديل تقييماتهم الأمنية.

باختصار، تؤكد قراءةُ إسرائيل الرسمية وغير الرسمية للعملية تحوّلَ طبيعةِ الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية من تهديدٍ محدودٍ إلى أداةِ ضغطٍ تكتيكيةٍ واستراتيجيةٍ يمكن أن تغيّر موازينَ الردع في الشرق الأوسط إلى حدٍّ ما، وتفرض على إسرائيل إعادةَ النظر في خططها "الدفاعية" والاستعدادَ لمواجهة تهديداتٍ متزامنةٍ ومعقدةٍ تتجاوز قدراتِ الدفاع التقليدية في بعض الحالات.