إسرائيل ... في الشرك المصري

بقلم: اليكس فيشمان
استُبدلت حكومة واستُقبل وزير دفاع، ولكن ثمة شيئا لم يتغير وهو أن جهاز الأمن يعامل الجمهور كأنه ولد لديه مشاكل ولا يجوز ان تُقال له الحقيقة عن العلاقات بمصر. أُطلقت، أول من أمس، قذائف صاروخية من سيناء على إيلات، ويتصرفون عندنا كأن هذا الإطلاق باغتنا كرعد في يوم صافٍ. يقولون للجمهور إنهم يفحصون الآن من أين أُطلق ومن أطلق ولماذا لم تعمل القبة الحديدية. ما الذي ينبغي فحصه؟ كل شيء تظاهر لأنهم عندنا يعلمون بالضبط من أين أُطلقت الصواريخ ولماذا لم تعترضها القبة الحديدية. وكونوا على يقين بأنه لم يكن هناك إهمال أو خلل.
الاسوأ هو عدم قول الحقيقة، وهي ان اسرائيل دُفعت الى شرك لا تعلم كيف تخرج منه. في يوم الاستقلال نثر قادة جهاز الأمن تصريحات مجلجلة، لكنهم في واقع الامر يقفون عاجزين عما يحدث في سيناء. وقد كان لدى إسرائيل إنذار من اطلاق الصواريخ من سيناء. وبناء على هذا الانذار زاد الجيش استعداده في منطقة ايلات، ووجه الى هناك بطارية من القبة الحديدية، وخطا سلسلة خطوات اخرى. فاذا كانت علاقات التنسيق بين إسرائيل وقادة القوات المصرية في شمال سيناء جيدة جدا كما يقولون لنا فمن المنطق ان نفترض، إذاً، ان المصريين تلقوا من اسرائيل إنذاراً بهذه الخلية. فماذا فعل المصريون بهذا الانذار؟ لم يفعلوا شيئا فعالاً كما لم يفعلوا حقاً في حينه بالانذار الذي نقلته اسرائيل عن الخلية التي قتلت 16 جندياً مصرياً.
اسرائيل كما قلنا آنفا في شرك. فكيف تحمي مواطنيها من عمليات تخرج من دولة لها معها معاهدة سلام، لكنها لا تعلم أو لا تريد أن تمنعها؟ إن اسرائيل من جهة لا تستطيع ان تتخلى عن مواطنيها بازاء معلومة ان "مخربين" يوشكون ان يطلقوا صواريخ عليهم؛ وهي تخشى من جهة ثانية أن تخاطر بإحباط ارهاب على ارض مصر لأن مثل هذه العملية قد تكون سببا لالغاء اتفاق السلام معنا.
البشرى السيئة هي ان هذا الشرك لا يوشك ان يتغير الى السنة القادمة على الأقل. وخلافا لموقف الاستخبارات العامة المصرية يقول توجيه الرئيس مرسي انه لا ينبغي على أي حال من الاحوال استعمال القوة ضد البدو في سيناء. وقد تم تأجيل انتخابات مجلس الشعب المصري الى تشرين الاول وستستمر عدة أشهر. والى ذلك الحين لا يجوز إحداث أي تحرش أو المبادرة الى أي اجراء عسكري قد يضر بشعبية "الاخوان المسلمين"، وهكذا سيكون للارهاب في سيناء حصانة حتى نهاية 2013.
جهد المصريون في السنة الأخيرة في جمع معلومات استخبارية. واشتمل ذلك على جمع صور جوية ومعلومات عن القبائل البدوية وغرس عملاء. وما دام الحديث يدور عن استثمار في الاستخبارات يكون هناك اجماع بين عناصر القوة في مصر، لكن حينما يجب ترجمة المعلومات الاستخبارية الى عمل وعلاج للارهاب يتحطم الاجماع. إن الجيش المصري لا يشغل نفسه على نحو تقليدي بمكافحة الارهاب، لكن لا توجد جهة اخرى تفعل ذلك. وتأتي لمصر ايضا تحذيرات من تدابير للقيام بعمليات تفجيرية في الاسكندرية والقاهرة.
تحولت سيناء الى مركز ارهاب يُعرض مصر نفسها للخطر ايضا. فبدأ الجيش المصري يُحرك وحدات الصاعقة فيه للقضاء على الارهاب في سيناء، لكنه يتردد بسبب الخوف من استعمال القوة وتحمل الاخفاقات كما يبدو.
إن الجهات الأمنية في إسرائيل في هذا الوقت فرحة جدا بالأداء المصري – في كل ما يتعلق بكبح جماح "حماس" ونشر الاستخبارات في سيناء وإحداث دوائر حراسة في ممرات القناة وعلى الحدود الليبية والسودانية، بحيث تفضل الصمت على استمرار تدفق وسائل القتال الى غزة التي تشتمل على مواد أولية تُستعمل لانتاج القذائف الصاروخية. إسرائيل سعيدة جدا حيث إنها مستعدة لان تتعامى عن اخلالات سافرة باتفاق السلام أشد من استقرار رأي المصريين قبل نحو من نصف سنة على ادخال قوات مدرعة الى سيناء بقدر أكبر من المسموح به. ونقول بالمناسبة إنه لا يجوز لمواطني إسرائيل ان يعرفوا هذا ايضا.
تستطيع اسرائيل ان تقول للمصريين اذا لم تكونوا قادرين على العمل فسنعمل نحن. وفي المرة القادمة إذا وجد انذار ولم تعتنوا به فسنعتني به نحن. لكن من يتجرأ عندنا على تنفيذ اجراء كهذا؟ لأن هذه ليست خطب "يوم الاستقلال" بل الحياة الحقيقية التي معناها المخاطرة وان يُبين للمصريين ان حدود سيناء ليست مشاعا وأن ذلك لن يفضي الى وقف السياحة والرحلات الجوية الى إيلات.