لا لخصخصة المفاوضات

بقلم: نوعام شيزاف
في مقابلة مع مجلة العيد في صحيفة "معاريف" في يوم الاستقلال كشف الرئيس شمعون بيريس النقاب عن فكر جديد. وحسب بيريس، فقد فشلت حكومات العالم، وينبغي الآن منح الشركات الدولية الكبرى المجال لقيادة الاقتصاد، التعليم والخدمات للمواطنين.
بيريس لم يكن ابدا ديمقراطيا عظيما، لكن يبدو أنه في السنوات الأخيرة اجتاز حافة جديدة من الانقطاع: في الوقت الذي يتصدى فيه مواطنو الغرب لاثار أزمة اقتصادية نشبت بسبب غياب الرقابة على المؤسسات الخاصة، الرئيس مقتنع ان المستقبل يكمن في تسليم المزيد من القوة غير الخاضعة للرقابة الى طبقة المدراء واصحاب الأسهم.
في مقابلة اخرى هذا الشهر في ملحق نهاية الأسبوع في "معاريف" روى وزير المالية المنصرف يوفال شتاينتس عن جملة الضغوط التي تعرض لها في عهد عمل لجنة شيشنسكي لفحص مردودات الغاز. وأكد شتاينتس ان شركة نوفيل انيرجي جندت الرئيس الأسبق بيل كلينتون في اطار اللوبي لوقف قانون المردودات الجديد. ونقل كلينتون رسالة تعارض رفع عبء الضريبة على شركات الطاقة، وحسب تقرير آخر، طرح الموضوع ايضا في لقائه مع رئيس الوزراء نتنياهو. وصمد شتاينتس أمام الضغوط وهو جدير على ذلك بالثناء (نتنياهو، الذي غير استنتاجات لجنة شيشنسكي في صالح شركات الغاز، يستحق أقل).
ولا يتشارك الرئيسان بيريس وكلينتون فقط في ذات الفكر، الذي يضع مصلحة الشركات الدولية قبل مصلحة المواطنين. بل ان لهما ايضا تاريخا مشتركا، وعلى رأسه دورهما الشخصي في الاتفاقات بين اسرائيل و (م.ت.ف) في التسعينيات التي ترافقت مع خصخصة سريعة للاقتصاد الاسرائيلي، تسييب فروع مركزية في الاقتصاد للمنافسة غير الخاضعة للرقابة ونقل مصانع الى دول العمل فيها زهيد الثمن والرقابة واهنة. وحسب حلم بيريس في الشرق الأوسط الجديد، فان السوق الحرة كان يفترض أن تخفي باقي المشاكل، وعلى رأسها ذاك النزاع المرير على الأرض.
غير أن ثمار الخصخصة وصلت الى شريحة ضيقة جدا من الاسرائيليين المقربين من الحكم، ومعظم السكان لم يشعروا انهم يكسبون شيئا من كل الاتفاقات والتنازلات بل العكس: في الشرق الأوسط الجديد تجدهم متروكون لمصيرهم، سواء في الجانب الاقتصادي أم على مستوى الأمن الشخصي.
وحصلت صورة المرآة في السلطة الفلسطينية.... لقد كان وضع الفلسطيني المتوسط افضل قبل اوسلو منه بعده؛ وهكذا ايضا بالنسبة لشرائح كاملة في المجتمع الاسرائيلي. فالحكومات التي جاءت بعد ذلك تنازلت عن السلام، لكنها حافظت على الخصخصة.
لقد كان الربط بين معسكر السلام وعالم الشركات والمال خطأ تاريخيا جسيما. فقد حول التطلع المناسب لانهاء الاحتلال فجعله حيلة استخدمتها شريحة ضيقة منقطعة عن المشاكل اليومية لمعظم الجمهور؛ امتيازات للأغنياء الذين يسعون الى أن تفتح أبواب العالم أمامهم ومستعدون من أجل هذا الغرض التضحية بمن لا يعنيهم مصيرهم. ويرى الكثيرون المسيرة السلمية بهذا الشكل اليوم ايضا؛ أما بيريس – الذي تحدث ذات مرة عن "الرأسمالية الخنزيرية" – فقد أدمن على سحابة التزلف والاعجاب التي يغدقها عليه العالم التجاري.
على الجيل التالي من معسكر السلام ان يحذر جدا من الارتباط بالرأسمالية الاسرائيلية وممثلي المال. فزعماؤه لا يمكنهم ان يكونوا أناسا مثل ايهود اولمرت، تسيبي ليفني أو يئير لبيد، الذين لا يمثلون سوى مصالح الاسرائيليين الأكثر ثراء، بل فقط من يدمجون التطلع الى انهاء الاحتلال والديمقراطية مع الكفاح من أجل مجتمع عادل وأكثر مساواة. أما "سلام الشركات" على نمط كلينتون وبيريس فقد فشل. الفصل التالي يجب ان يكون سلام بني البشر.