لمجد دولة الفصل العنصري

بقلم: د. مئير سايدلر
لست أعلم ما الذي مر بذهن البروفيسور عليان القريناوي أول بروفيسور بدوي في البلاد كما ذكرت وسائل الاعلام حينما أشعل شعلة لمجد دولة اسرائيل. هل تأثر؟ أم شعر بالحياء شيئا ما؟ أو ربما كان بين بين؟ لا يمكن ان نعلم. لكن يصعب علي ان اؤمن بأن الفرح بالمنصب الجليل الذي حظي به في يوم الاستقلال الـ 65 لدولة اسرائيل لم يكن ممزوجا بمشاعر أكثر بهجة.
إن فكرة إشراك غير اليهود في مراسم يوم الاستقلال بعامة ومراسم اشعال الشعل لمجد دولة اسرائيل بخاصة، هي فكرة صحيحة مباركة. لكنني على يقين من ان اختيار المرشح المذكور لهذا المنصب جعل عددا من الناس يتعجبون لأن الحال واحدة من اثنتين فاما ان وضعنا بين الأقليات هو الاسوأ، وهذا هو الموجود، وإما ان شخصا ما لم يدقق في اختيار الشخص.
التقيت مع البروفيسور القريناوي أول مرة وآخرها في مؤتمر دولي عن اسرائيل في الشرق الاوسط تم في جامعة كلداري في كندا في خريف 2010. وحينما دخلت غرفة الاجتماعات تقدمت الى مجموعة محاضرين اشتملت عليه ايضا وسمعت أنه يعرض نفسه على أنه البروفيسور القريناوي الذي هاجر من البلاد الى كندا. وحينما رآني نظر الى نظرة قصيرة وأعلن على مسامعي ومسامع المحيطين بي وكان أكثرهم يهودا اسرائيليين: ‘أنا لن أتحدث إليك فأنت من المستوطنين’ (أقول من اجل الكشف الصحيح إنني أسكن في غوش دان حقا لكن لي لحية وقبعة دينية وكانت العلامة على قميصي قد أفصحت بأني أنتمي الى ‘المركز الجامعي اريئيل’).
وأقول بالمناسبة انه لم يوجد فرح بين المحاضرين الاسرائيليين الذين شهدوا الواقعة المخجلة برغم ان عددا منهم عبروا بعد ذلك على مسامعي عن تحفظ من سلوكه. وأتخيل انه لو كان الوضع عكسيا، أي لو قلت له ‘لن أتحدث إليك لأنك من المخلين بالقانون في النقب’ أو شيئا يشبه ذلك فلربما أظهروا حولاً مدنيا أكبر، لكن هذا تخمين فقط بالطبع.
بعد ذلك حاضر هذا الرجل متحدثا عن الأضرار التي يسببها الصراع الاسرائيلي العربي بنفوس المراهقين اليهود والعرب، وكانت محاضرة انحصرت في الكشف المجلجل المصحوب باحصاءات مدهشة تقول ان الصراع الاسرائيلي العربي لا يسهم حقا في سكينة نفوس هؤلاء الفتية. وفي النقاشات التي تمت في ورشات العمل التي صاحبت المؤتمر أسمى دولة اسرائيل عدة مرات ‘دولة فصل عنصري’. ورددت على أقواله تلك بقولي إن مجرد حقيقة انه أنهى شهادة الدكتوراة في دولة اسرائيل وأصبح حتى قبل ‘هجرته’ محاضرا في جامعة بن غوريون في النقب يشير الى الكذب في كلامه. ولم يعرف كيف يرد على ذلك لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في غضبه.
لست أعلم كيف عاد القريناوي الى دولة الفصل العنصري ووافق على ان يُعين رئيسا لواحد من المعاهد فيها. وأفترض انه وجدت صفقة خفية: فالجو بارد في كندا وقد يكون فهم هو ايضا انه كي يتقدم في حياته فان كونه البروفيسور البدوي الوحيد في دولة اسرائيل أفضل من ان يكون البروفيسور البدوي الوحيد في كندا، وحينها عقد حلفا يشبه حلف فاوست مع الشيطان وعاد الى دولة الفصل العنصري، وفرحت هذه من جهتها لجعله رئيسا لواحدة من مؤسساتها. إن البروفيسوريين البدو لا ينشأون هنا على الاشجار، واذا أمكن ان يُعرض واحد على الملأ (ولا سيما على أمم العالم) فربما يجعلنا ذلك نحظى بتأييد العالم المرجوة كثيرا. ولم يخرج المهاجر الغاضب من كندا خاسرا بسبب ذلك بل وافق في مقابل ذلك في واحد من اللقاءات الصحفية بذله مع تعيينه رئيسا لمعهد أحفا، على ان يُعرف نفسه بأنه ‘اسرائيلي فخور’
أتمنى للبروفيسور القريناوي النجاح في عمله، وآمل ألا تشوش عليه الكآبة وتأنيب الضمير اللذان سببهما له حقيقة انه اضطر الى بلع الضفدع والثناء على دولة اسرائيل بدل التنديد بها فوق منابر دولية باعتبارها دولة فصل عنصري، ألا يشوشا عليه استمرار حياته المهنية.
وسأضيف توضيحا يبدو لي مهما وهو أنني لا يخطر ببالي أن أسلب البروفيسور القريناوي الحق في ان يعتقد ان المستوطنين هم أعداء البشر وان دولة اسرائيل هي دولة فصل عنصري بل أن يعبر عن ذلك علنا. لكن من يعتقد ان دولة اسرائيل هي دولة فصل عنصري لا يستطيع ان يشعل شعلة لمجدها. واذا كان القريناوي قد غير رأيه فعليه ان يوضح ذلك علنا كما عبر عن آرائه في الماضي.
‘ محاضر في قسم تراث اسرائيل في جامعة اريئيل