أوهام الانسحاب أُحادي الجانب من الضفّة

بقلم: زئيف الكين

في السبت الماضي "حظيت" بفرصة أن العب دور النجم، كأحد الأبطال الرئيسيين في العامود الدائم لبن - درور يميني. العامود، الذي يحمل عنوان "سموم التهدئة" يحاول اقناع القارئ بأن الانسحاب الإسرائيلي من "المناطق" وإقامة دولة فلسطينية هو عمليا مصلحة إسرائيلية بقدر لا يقل بل وربما أكثر منه مصلحة فلسطينية. وبالفعل، بصفتي معارضا لهذا الانسحاب، فإني أُعرض كمن يعمل خلافا للارادة الحقيقية للجمهور الاسرائيلي. "محظور السماح للالكينيين بالانتصار"، كما نص أحد العناوين الفرعية في التقرير.

اضطر يميني للاعتراف بأني كنت محقاً في القول انه لا يوجد اليوم شريك فلسطيني مستعد للتوصل الى اتفاق سلام مع إسرائيل، ولكن برأيي ليس في هذا ما يدعو الى التخلي عن التطلع المسيحاني من جانب اليسار للانسحاب بكل ثمن. وحسب نهجه، فإن الرفض الفلسطيني وانعدام الشريك لا يجب ان يمنع انسحابا من "المناطق" واقامة دولة فلسطينية. فهذه مصلحة اسرائيلية و"لماذا يتعين علينا أن نعاقب أنفسنا بسبب الرفض الفلسطيني؟"، على حد قوله. وهكذا يعيد يميني الى الخطاب الجماهيري فكرة الانسحاب من جانب واحد، مثل الهروب من جنوب لبنان وفك الارتباط. هذا الطريق يمثل في نظره "سواء العقل" ورغبة الاغلبية في المجتمع الاسرائيلي.

عندما قرأت المقال فركت عيني وسألت نفسي هل أنا والصحافي المحترم نعيش في دولتين مختلفتين؟! فدعوة "نحن علينا أن نقرر مصيرنا، مع شريك وبدون شريك" ليست جديدة في الخطاب الاسرائيلي. سمعناها لسنوات من مبادري الانسحاب من لبنان ومن مفكري خطة فك الارتباط. فالى أين أدت بنا هذه الطريق "سوية العقل"؟ هل الأمن الشخصي لسكان الجنوب تحسن في أعقاب خطوة فك الارتباط؟ هل سكان اسدود وبئر السبع فكروا قبل عقد بانهم سيعيشون تحت تهديد الصواريخ من غزة؟ هل سكان الشمال كانوا آمنين اكثر في حرب لبنان الثانية مما كانوا قبل الهروب من لبنان؟ هل عشرات آلاف الصواريخ الموجهة إلينا من لبنان من قبل "حزب الله" تضيف لنا "سواء عقل"؟

ناهيك عن أنه الاعمى وحده لم يرَ في حينه العلاقة المباشرة بين الهروب احادي الجانب من لبنان وبين اندلاع الانتفاضة الثانية في عهد باراك، الانتفاضة التي جبت من اسرائيل ثمنا باهظا. فمن الطبيعي من ناحية الفلسطينيين أن يستخلصوا الاستنتاج اللازم: الإسرائيليون ضعفوا وعن طريق "الارهاب" يمكن الحاق الهزيمة بهم وطردهم. فهل توسيع هذه التجربة "سوية العقل" على كل مواطني اسرائيل، هو اليوم ارادة أغلبية الجمهور؟ هل سكان الوسط يحلمون حقا بأن يجعلوا انفسهم سديروت كبيرة؟

يميني ليس فقط يبيع الجمهور مرة اخرى وبحماسة مسيحانية اوهاما عابثة عن الانسحاب احادي الجانب. فهو يصفي كل احتمال لأن يرغب الفلسطينيون بشكل عام في التنازل اثناء المفاوضات. فاذا كان الانسحاب واقامة الدولة الفلسطينية هما مصلحة اسرائيلية عليا، فلماذا يتعين على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن لقاء تحقيقهما؟ واذا كان الاسرائيليون يريدون هذا جدا، فليدفعوا هم للفلسطينيين الثمن على استعدادهم للانسحاب الاسرائيلي أو على مجرد الموافقة على المجيء الى طاولة المفاوضات.

الرواية الخطيرة لـ "محبي الانسحاب بكل ثمن كمصلحة اسرائيلية" تمس أيضا بقدرتنا على حمل العالم على تأييد بعض مطالبنا من الفلسطينيين. في كل اسبوع، في اللقاءات مع وزراء الخارجية من العالم، اسمع منهم الحجة ذاتها: قد تكونون محقين في طلبكم الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية، ولكن لماذا ينبغي لكم أن تصروا على ذلك؟ فقد فهمنا من بعضهم بان هذه مصلحة اسرائيلية عليا أن تقام دولة فلسطينية. ولهذا فتفضلوا بالمرونة وتنازلوا، إذ ان هذا في صالحكم!

هكذا، وبالمفارقة، فإن "المسيحانية" والقطيعة المطلقة عن الواقع ودروس الماضي القريب لدى يميني ورفاقه تمس بالاحتمال الاخير والهزيل لتطبيق ما يؤمنون به. ان مؤيدي الانسحاب احادي الجانب قد يكونون هم الذين يدخلون المسمار الأخير في نعش فكرة الدولة الفلسطينية بأيديهم.