الساحة السورية: مواجهة بين القوى العظمى

بقلم: د. رؤوبين باركو

إن مصدر المفارقة التي أصبح الاسلام السني فيها، هو توقع الخلاص من الغرب ‘الصليبي’ خاصة. فهم يرون الآن أنه يفترض ان يقوم الغرب من أجلهم بالعمل القذر في سورية وفي ايران. وتتابع وسائل الاعلام العربية في هذه الاثناء البحث في اخفاقات الأطراف في محاربة اسرائيل، ووصف ما يجري في سورية في سياق ‘المؤامرات الصهيونية’. وهم يرون ان الساحة السورية هي مقبرة ‘الربيع العربي’ وان اسرائيل هي الرابحة.

بازاء رواسب الدم الدينية والطائفية في سورية تُرسم الخطوط الهيكلية لـ’الدويلات’ التي ستُقسم اليها: كردية وسنية وعلوية ـ مسيحية. ويلوح ان الاسد لن يستطيع في كل مخطط في المستقبل ان يحكم شعبه حتى ولا باستمرار الذبح والقمع.

رغم رهان الروس اليائس على الاسد وادراك ان مصيره قد حُسم، يتبين أنه لن يكون لروسيا في المستقبل القريب موطئ قدم في سورية. فالشعب السوري الذي أكثره من أهل السنة يحمل في قلبه كراهية عميقة للروس، الذين يعملون عليه. إن الحاجة الى الحفاظ على سوق السلاح وعلى ميناء المياه الدافئة وعلى موطئ القدم الروسي في الشرق الاوسط، لا يترك للروس خيارا. فهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولن يساعدوا على اسقاط حبيبهم الاسد مقابل أي إغراء.

إن الهجمات الجوية المنسوبة الى اسرائيل في سورية، التي أشارت للغرب أنه يمكن ضرب ايران ايضا، عرضت السلاح الروسي على أنه وسيلة خاوية. وأوجبت على الروس ان يعرضوا قدرة أكثر تقدما وردعا ومسؤولية أمام حلفائهم. ولذلك أمدوا السوريين بسلاح حديث وعجلوا الحرب الباردة. وأشار الروس بهذه الخطوة الى الغرب بأن التدخل الخارجي في سورية وايران لن يكون ممكنا.

دُفعت اسرائيل عن رغبة في الدفاع عن نفسها الى معركة عمالقة بين القوى العظمى مع دعم متردد من القوة العظمى الأم الامريكية. وإن احتمال أن تُمكّن روسيا من اجراء يجلب الى سورية نظاما مواليا لامريكا هو ثمرة خيال سياسي ساذج كوزير الخارجية الامريكي جون كيري وحده.

وفيما يتصل بايران، يشير الوضع في سورية الى ان المحور الشيعي يتفكك وأن الشعب السوري يكرههم كراهية عميقة، وان المواجهة العنيفة بين الشيعة والسنيين في دول محور العراق ولبنان حتمية. وتتمتع ايران في الوقت الحالي بحقيقة أن جميع الاضواء مسلطة على سورية، في حين تستمر هي في هدوء على تطوير القنبلة الذرية وعلى ارسال محاربين وسلاح الى حزب الله والاسد.

إن الوضع في سورية يكشف عن حقيقة أن ‘الحرب الباردة’ بين روسيا والغرب غير متكافئة. وينبع ذلك من التردد الامريكي الثابت ايضا في القضية الايرانية: فالقطب الروسي يؤيد علنا النظام السوري باعتباره جزءا من المحور الايراني مع العراق وحزب الله، ويرسل في تحدٍ سلاحا فتاكا الى النظام السوري، ولا يحسب حسابا لاسرائيل. لقد قوي الردع الروسي ازاء الضعف الامريكي.

وفي مقابل ذلك يُمد القطب الغربي وفيه امريكا وحلف شمال الاطلسي وتركيا والعرب المعارضة بالمال والتوجيه والدعم المادي والمعدات الداعمة للقتال، لكنه لا يتدخل مباشرة. وتنبع المعضلة الغربية من أن عناصر المعارضة متطرفون اسلاميون ليسوا أفضل من الاسد. وقد تعلم الامريكيون ان الاسلاميين الذين استعانوا بهم قتلوا الأفضلين منهم بعد ذلك. لكن كما لا توجه الذرة الايرانية على اسرائيل وحدها، فان السلاح الروسي ايضا لا يوجه عليها وحدها. إن حق الكلام هنا ايضا للامريكيين كما هي الحال في الشأن الايراني، ويوجد في الشأن السوري ما يُتحدث عنه.

حرره: 
م.م