التفكير الإسرائيلي في مستقبل نظام الاسد

بقلم: ايتمار رابينوبيتش
في 17 ايار/مايو 2013 اقتبست ‘التايمز′ اللندنية عن مصادر استخبارية اسرائيلية ادعت بان ‘نظام الاسد الباقي على حاله، حتى وان كان ضعيفا، افضل لاسرائيل وللمنطقة’. ويواصل المقال فيقتبس عن ضابط استخبارات اسرائيلي كبير قوله: ‘الشيطان الذي نعرفه خير من البديل المحتمل الذي يمكننا فقط أن نتخيله في حالة تدهور سورية نحو الفوضى’، ومتطرفون من العالم العربي يحظون هناك بموطئ قدم. نحن لا نعرف ما هي المصادر الاسرائيلية، ولكن التقرير في ‘التايمز′ يوفر اطلالة على المداولات والجدالات في المؤسسة الامنية الاسرائيلية، بالنسبة لسلم الاولويات المرغوب فيه لاسرائيل في كل ما يتعلق بمستقبل سورية.
تعبير ‘الشيطان الذي نعرفه’ استخدمه رئيس الوزراء ارييل شارون في 2005، عندما شرح للرئيس جورج دبليو بوش لماذا يعارض ارادة الرئيس الامريكي دفع نظام الاسد الى الانهيار. فعداء الرئيس بوش للرئيس السوري تعاظم بعد أن دعم الاخير الثورة ضد الاحتلال الامريكي في العراق، وفتح حدوده امام المتسللين الجهاديين وعبور العتاد العسكري، كجزء من هذا الدعم. ومع أن شارون هو الاخر لم يستطب على نحو خاص الرئيس السوري، الا انه اعتقد بانه من زاوية نظر اسرائيلية، من الافضل التعاطي مع النظام المعروف في دمشق، فذلك افضل من بديل ليس مؤكدا، وحيال امكانية ان يسيطر الاخوان المسلمون ـ المعارضة المنظمة الوحيدة في سورية ـ على الدولة.
لقد كان الاسد حليفا لايران ووفر لها جسرا بريا لحزب الله في لبنان. كما أنه دعم حماس والجهاد الاسلامي، ولكن الى جانب ذلك حافظ على حدود هادئة في هضبة الجولان، وورث سمعة أبيه كعدو يتصرف بشكل معروف ومتوقع. وقد عارض شارون فكرة التسوية مع سورية، على مدى السنين التي كان فيها في الساحة السياسية، وكذا ايضا في السنوات الخمس التي تولى فيها منصب رئيس الوزراء، وعارض على نحو خاص الانسحاب من الجولان، الذي كان ينطوي عليه اي اتفاق كهذا.
لقد تغيرت وجهة نظر اسرائيل في 2006، بعد حرب لبنان الثانية، فبالنسبة لرئيس الوزراء اولمرت، خليفة شارون، جسدت الحرب خطورة التهديد الذي تقف امامه اسرائيل من جانب محور ايران ـ سورية ـ حزب الله. والاستنتاج الذي استخلصه اولمرت، بدعم من المؤسسة الامنية، كان، ان على اسرائيل أن تمنح أولوية عالية لتفكيك هذا المحور، وانه ينبغي عمل ذلك اساسا من خلال انتزاع ‘اللبنة السورية’ من السور الذي هو تحت السيطرة الايرانية. ولهذا الغرض فقد شرع في بداية 2007 بجهد، بوساطة تركية، لفحص امكانية الوصول الى اتفاق سوري ـ اسرائيلي. واستمرت المفاوضات حتى كانون الاول/ديسمبر 2008، وان كانت جمدت مؤقتا في ايلول/سبتمبر 2007، حين دمرت اسرائيل المفاعل النووي السوري، الذي بنته لها كوريا الشمالية. وهناك من سيدعي بان لا معنى للتفاوض على تسوية مع الرئيس السوري القادر على خطوة بهذا التطرف، ولكن اولمرت اعتقد ان هذا بالذات عزز الحاجة الى تعطيل المواجهة مع سورية. وقد تأثر هو وآخرون أيضا بحقيقة أن الاسد أظهر نضجا وتحكما بذاته حين امتنع عن الانتقام في اعقاب الاهانة التي تلقاها جراء تدمير المفاعل.
مفاوضات اخرى بين اسرائيل وسورية جرت اثناء 2010 2011، وهما السنتان الاخيرتان لولاية بنيامين نتنياهو السابقة، وتمت عبر وسطاء عن ادارة اوباما. وحسب هؤلاء الوسطاء فقد كانت هذه مفاوضات جدية، وان كان نتنياهو عارض علنا الانسحاب من هضبة الجولان. وقد وضع اندلاع الازمة في سورية في اذار/مارس 2011 حدا لهذه المحادثات ايضا.
فالازمة في سورية، التي بدأت كسلسلة من المظاهرات وتطورت الى حرب اهلية وحشية ومواجهة طائفية، غيرت وجهة نظر اسرائيل عن الاسد ونظامه. فالحرب الاهلية في سورية اصبحت بؤرة نزاع اقليمية ودولية. على المستوى الاقليمي اصبحت مواجهة بين ايران ومعارضيها. ايران وفرعها ـ حزب الله، وظفا جهودا عديدة للدفاع عن الذخر الاستراتيجي. السعودية، تركيا، قطر والاردن ، وسعوا دعمهم للمعارضة. على المستوى الدولي، روسيا وبقدر اقل الصين، توفران لنظام الاسد ستارا دفاعيا في مجلس الامن وفي محافل اخرى. كما أن روسيا تواصل تزويد نظام الاسد بمنظومات سلاح متطورة. وتمنح روسيا اولوية عالية لحماية استثمارها في سورية كي تمنع سقوطها في مجال النفوذ الامريكي.
كدولة مجاورة ذات مصلحة مركزية في مستقبل سورية، فان اسرائيل ملزمة بان تقرر ما هي أولوياتها. في مراحل مبكرة من الثورة في سورية، اختارت اسرائيل موقفا سلبيا، ومن دون صلة بافضلياتها، استنتجت وعن حق ان قدرتها في التأثير على نتيجة الحرب الاهلية محدودة، فليس لاسرائيل تأثير على السياسة الداخلية في سورية، واذا أعربت عن تأييد ما للمعارضة، فانها ستخدم النظام السوري، وادعى الاسد والناطقون بلسانه منذ البداية بان هذه ليست ثورة داخلية حقيقية، بل مؤامرة مصدرها القوى الخارجية، ولا ريب انه كان سيسارع الى أن يستغل حتى النهاية كل فرصة لاحراج المعارضة، من خلال الاشارة الى صلة ما او دعم ما من اسرائيل لها. وبالتوازي، أوضحت اسرائيل ان لها خطوطا حمراء خاصة بها بالنسبة لسورية. كما أعلنت انها ستتدخل في نقل منظومات سلاح متطورة و’مغيرة لقواعد اللعب’ الى منظمات الارهاب، سواء كانت حزب الله أم منظمات الجهاد التي اصبحت محافل مركزية في المعارضة السورية المسلحة.
في كانون الثاني/يناير 2013 علم بان اسرائيل دمرت منظومة صواريخ في منطقة دمشق كانت في طريقها الى لبنان. ومن اجل عدم احراج النظام السوري ولتقليل الخطر بعملية رد مقابل، لم تأخذ اسرائيل المسؤولية عن العملية، ولكن في ايار/مايو 2013، عملت اسرائيل لمرتين اخريين ولم يكن ممكنا تمويه ذلك. واضح أن ايران، سورية وحزب الله رفعت مبلغ الرهان، وهكذا ايضا روسيا، التي ستزود سورية بصواريخ S300 متطورة، دخولها الى الساحة اللبنانية ـ السورية غير مقبولة من اسرائيل. ومن شأن اسرائيل أن تجد نفسها في دائرة عنف في اطارها تعمل المرة تلو الاخرى ضد نقل السلاح عبر سورية الى حزب الله بشكل يجر رد فعل محتم، سواء من سورية أم من حزب الله. وهذا ما قصده مصدر رسمي اسرائيلي حين قال الاسبوع الماضي لـ’نيويورك تايمز′، انه اذا ما انتقم الاسد، فان اسرائيل ستسقط نظامه. وبكلمات اخرى، تدمير سلاح الجو والمدرعات لدى الاسد من جانب اسرائيل سيؤدي الى انتصار المعارضة. في كل الاحوال، تجد اسرائيل نفسها متدخلة بعمق في النزاع الاقليمي والدولي على مستقبل سورية، وكذا في مسألة مستقبل النظام ايضا.
صحيح حتى اليوم يجري جدال داخل المؤسسة الامنية الاسرائيلية بالنسبة للنتيجة المرغوب فيها للحرب الاهلية في سورية، يدعي البعض، بروح قول ‘التايمز′ اللندنية، ‘في نهاية اليوم افضل لاسرائيل أن يبقى الاسد’، وحجتهم هي انه في ضوء قوة الجهاديين والاسلاميين في اوساط الميليشيات التي تقاتل ضد النظام، فان سيطرة الجهاديين أو الاسلاميين، أو كبديل وضع الفوضى، حيث تكون المحافل الجهادية حرة في تنفيذ عمليات ارهابية تشكل التهديد الاخطر على أمن اسرائيل.
على خلفية هذه الامور، يصبح الاسد مرة اخرى ‘الشيطان الذي نعرفه’. ويدعي آخرون ان استمرار نظام الاسد في خدمة ايران وبتعاون وثيق مع حزب الله، يطرح تهديدا أخطر على أمن اسرائيل القومي. وحسب هذه المصادر فليس مرغوبا فيه ان تسيطر منظمات الجهاد على اجزاء من سورية، ولكن سورية ليست سيناء، واذا ما وقفت اسرائيل امام تهديدات ارهابية من جانب سورية، فانها ستكون قادرة على العمل.
هذه المدرسة الاخيرة، اكثر اقناعا، فقد جسد بشار الاسد قدرته على اتخاذ اعمال خطيرة ومتطرفة، عندما اختار بناء مفاعل نووي بالتعاون مع كوريا الشمالية. وقد جسد استعداده لذبح ابناء شعبه، بل واستخدام سلاحا كيميائيا ضدهم. وصحيح حتى الان فانه ليس سوى اداة بيد ايران. لا يعني هذا ان على اسرائيل أن تقف علنا ضده وضد مستقبل نظامه. الوضع الحالي الذي وجدت اسرائيل نفسها فيه متدخلة في النزاع الروسي ـ الامريكي حول مستقبل سورية، هو تطور سلبي. ومع انها دافعت عن مصالحها الامنية، وهذه حيوية، ولكن على اسرائيل أن تسعى مرة اخرى نحو السياسة التي ميزتها على مدى معظم ايام الحرب الاهلية، اي، الامتناع قدر امكانها عن الانجرار الى الازمة السورية، وحماية مصالحها الامنية الحيوية بتصميم، وان كان بحذر وبكتمان.