عندما نتحرر من الاحتلال.. نصبح أمة

بقلم: اسحق ليئور

تقبل اليهود بفرح دائم كما يبدو "الدور الغربي" الذي منحوه. فقد عرف يهود الجزائر في سنة 1870 حتى قبل "السور في وجه البرابرة من آسيا" الذي اقترحه هرتسل في كتابه "دولة اليهود"، أنهم فرنسيون رغم "عروبتهم" بعكس المسلمين، وحدث امر مشابه هنا وهو: استوطنوا الشرق وكونوا غربيين.

بدأ المشروع الصهيوني الاستعماري قبل ان تسوء سمعة الاستعمار. واعتمد اليسار الصهيوني ايضا، الذي هاجر من اوروبا، على القوة البريطانية ورأى ان وعد بلفور "برهان على عدالتنا". وقد رأى ابناء البلاد مستوطنين من اوروبا يرعاهم البريطانيون وحدثونا عن تخليص القيثار.

زادت الدولة في عمق المشروع الاستعماري في جبهتين: سلب الفلسطينيين، الذين لم تنجح في طردهم ولم تشأ دمجهم (يخطط الان لطرد واسع للبدو)؛ وعلى نحو مختلف فرضت الدولة على اليهود الشرقيين "الحداثة". وقد أدى اليسار الصهيوني في الجبهتين دورا مركزيا باسم التقدم.

منذ حزيران 1967 تخلت اسرائيل عن قناع التقدم. واصبح الاستعمار الاسرائيلي محمولا بالتدريج على جناح الروح الاستعمارية الصريح الذي لم يتلاشَ قط تماما من الغرب. ويدل على ذلك الخوف الحالي في اوروبا من الاجانب. وبقي شيء قليل من قيم ديمقراطية من قبل التقدم و "الحداثة" واسرائيل الابدية، والولايات المتحدة، وباسم ذلك – اضطهاد كل ما ليس "حداثيا" او يهوديا أو اوروبيا من الحريديين واليهود الشرقيين والعرب واللاجئين.

هل نحن في الحقيقة مثل المستوطنين الانجليز في الهند؟ لا. لا. الحقيقة ابسط من ذلك ولا يستوعبها أناس اليسار الاوروبي الذي كان دائما استعماريا ومعاديا للسامية شيئا ما واحتاج دائما الى تعزيزات من هنا. نحن – جميع اليهود – غربيون بشرط. هل يوجد فرق بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين من جهة مصفوفة "الغرب في مواجهة اللا غرب"؟. نحن الاسرائيليين نشبه شيئا ما "الارجل السوداء"، التي أتى بها الفرنسيون الى الجزائر – جموع من غير المسلمين "اصبحوا مستوطنين بصفة "غربيين" في بلد لم يوجد فيه ما يكفي من المستوطنين الحقيقيين" من القارة الاوروبية. وهذا ايضا غير دقيق بصورة كافية.

ما الذي يميزنا حقا؟ أجل أتى أولا الصهاينة الاشكنازيون بأعدلد قليلة وبعد المحرقة ظهر يهود الشرق بصفة احتياط ينبغي جلبه جميعا، لكن سيطر على حياة اليهود جميعا من الشرق والغرب منذ القرن السابع عشر معيار مشترك للحياة اليومية، من البول في الصباح الى اغماض العيون في الليل. وقد مكن المعيار العبري ("المائدة المرتبة") من برنامج تمايزي لبناء القومية.

من الحماقة أن يقال ان اليهودية ما زالت "دينا لا قومية" او انها اصبحت "قومية لا دينا". وما كان يمكن تحويل المهاجرين اليهود الى شعب من غير ذلك "الدين الذي هو قومية". قد تم القاؤنا في اوكار الاجانب وحاولوا جعلنا امة علمانية. ومن ذا لا يذكر الخامس عشر من شباط (العبري – عيد الشجرة) و عيد البواكير و "لاغ معومر" باعتبارها "اعيادا اسرائيلية"؟ ان ثقافة المستوطنين هذه لم تبقَ ولا ينشئ اليسار لنفسه ثقافة مضادة تخصه، ولم تعد تواجهه ثقافة قومية ما بل "امن واستيطان".

قصرت الحروب واسقط الاحتلال عنه كل قانون، وتضخمت عقيدة الحداد، وبقي الرمز الاخلاقي هو الشغل الوحيد لـ "يسار السلامة السياسية باسلوب اسرائيل"، الى درجة العفن الاخلاقي. في اليوم الذي ثارت فيه وسائل الاعلام بسبب "سوبرلاند" طهرت كتلة "ميرتس" في بلدية تل أبيب نفسها من ممثلها العربي الوحيد. ولم ينبس احد ببنت شفه حتى ولا اليسار الراديكالي.

ان الفقر الذي أخذ يطغى ينقض ايضا عرى التكافل القليل الذي كان موجودا والذي يستمع لاحاديث في الاطراف يسمع كيف يتذكر الشرقيون ما حدث لهم.

سننجح في أن نصبح امة اذا تحررنا من الاحتلال أو العكس اذا نجحنا في أن نصبح امة سنتحرر من الاحتلال. متى؟ لا توجد تنبؤات.