رامي الحمد الله من جامعة الفقراء الى السرير المريض

بقلم: عميره هاس

 ‘أُهنئ رئيسنا الذي عُين رئيسا للوزراء’، قالت أول أمس طالبة جامعية في السنة الثانية في كلية الآداب في جامعة النجاح في نابلس، بعد أن عُلم ببضعة ايام ان الدكتور رامي الحمدالله سيحل محل سلام فياض، ‘لكنني اسأل نفسي لماذا يترك الامبراطورية الناجحة التي بناها لصالح كيان ضعيف فقير كالحكومة الفلسطينية’. ووافقتها صديقاتها على ذلك، وأشرن بذلك اشارة خفية الى أنهن قد ضقن ذرعا بالسياسة، ويُردن التفرغ لحفل يوم الميلاد الصغير الذي أقاموه لواحدة منهن.

توجد اربعة أحرام جامعية، ثلاثة في نابلس وواحد في طولكرم (كلية الزراعة والطب البيطري)، تحتل معا مساحة 178 دونما وفيها نحو من 22 ألف طالب ونحو من 1800 أجير (منهم 848 محاضرا وهذا صحيح الى 2011)، ومستشفى جامعي افتتح قبل شهر، ومحطة مذياع محلية تبيح لنفسها ان تلزم موقفا في اختلاف الآراء بين اشخاص ساسة مختلفين: فيبدو أن الشابة لم تبالغ جدا حينما اختارت تعريف ‘امبراطورية’. ويقول أحد المحاضرين وهو طالب سابق ووالد طلاب في الحاضر إن للجامعة الكبرى في الضفة الغربية تأثيرا في الاعمال والاقتصاد والمجتمع عظيما في الحياة في نابلس وشمال الضفة إن لم يكن وراء ذلك ايضا.

تطورت النجاح عن مدرسة ثانوية أُنشئت في 1918 وأصبحت معهدا في 1941 وحلقة اساتذة منحت ألقابا جامعية في 1965. وفي 1977 أُعلن أنها الجامعة الوطنية. ويقولون في نابلس انه في الـ15 سنة الاخيرة، وهي مدة رئاسة الحمدالله، حدثت أكبر قفزة من جهة عدد المدرسين والطلاب والتنوع الاكاديمي وعدد الكليات والأقسام، وخطط البحث والمؤتمرات الاكاديمية والعلاقات بجامعات في الخارج. ولهذا ربما يمكن ان نسأل لماذا وافق الحمدالله على إدخال رأسه في سرير حكومة رام الله المريض، لكن لا ينبغي أن نعجب من استقرار رأي محمود عباس على اختياره هو خاصة.

أدى الحمدالله أمس اليمين الدستورية رئيسا للوزراء مع وزرائه (وسبعة منهم جدد) لكنه ما زال رئيس الجامعة. وعُين له نائبان في عمله الجديد كي يستطيع الاستمرار في إبداء رأيه في شؤون الجامعة ايضا. إن الوعد الرسمي هو أن يرأس الحمدالله حكومة انتقالية الى 14 آب/اغسطس وهو آخر موعد (وهذا صحيح الى الآن) سُمي لانشاء حكومة وحدة بين حماس وفتح. ويؤمن قليلون فقط بأن هذا سيحدث حقا، لكن الجامعة معفاة في هذه الاثناء من التفكير في تعيين رئيس جديد.

يتبين ان ليست مواهبه الادارية المبرهن عليها وحدها هي التي أفضت الى تعيينه رئيسا لحكومة انتقالية، فقد اهتم صحافيون اجانب هذا الاسبوع في البحث، أهو عضو في فتح لأن عداوة اعضاء فتح لسلام فياض كان لها نصيب كبير من استقرار رأيه على الاستقالة. والجواب الرسمي هو لا، فليس معلوما ان الحمدالله عضو في فتح، ومع ذلك يذكر أناس ان علاقاته القريبة باثنين من الرجال الأقوياء في فتح وبمن حول ياسر عرفات كان لها دور مهم في تعيينه رئيسا للنجاح، الاول هو الطيب عبد الرحيم الذي كان أمين سر الحكومة التي رأسها عرفات، وهو اليوم أمين سر مكتب محمود عباس (وهو من أبناء عنبتا ايضا مثل الحمدالله)، والثاني هو توفيق الطيراوي الذي كان عند انشاء السلطة رئيس الاستخبارات الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو يحافظ اليوم ايضا على قوته في حركة فتح بصفة مستشار أمني لعباس.

رغم قربه من قادة في فتح، يُدرس في جامعة النجاح بلا تشويش محاضرون موالون لحماس، والى ذلك يوجد من يعتقد ان الحمدالله كان يجب ان يُقيدهم، يقول محاضر يعارض التيارين. ومع ذلك يعترف محاضرون بأنهم يحذرون في كلامهم في دروس تتناول سياسة السلطة الفلسطينية وطائفة من الاشخاص. وتوجد هنا ايضا كما هي الحال في جميع الجامعات الفلسطينية، ظاهرة طلاب جامعة يعملون في اجهزة الامن الفلسطينية، أو مُبلغين لها. ومجرد التفكير في وجودهم يعمل كالرقابة.

بعد 2007 حينما انقسمت السياسة الفلسطينية الداخلية الى حكومتين متناكفتين، حكومة حماس وحكومة فتح، عملت اجهزة امن السلطة الفلسطينية بلا عائق على إبعاد وإسكات طلاب كانوا مؤيدين لحماس. ولم يكن ذلك قرار رئيس الجامعة، ويُشك في انه كان قادرا في جو الحرب الأهلية الذي ساد آنذاك على منع تدخلهم. إن رجال الامن الذين يقفون اليوم عند مدخل الجامعة يفحصون الداخلين ويتجولون ايضا بين طلاب الجامعة ويحصلون على أجورهم من الجامعة، ويتم تقبل وجودهم بتفهم فهناك آلاف الناس يتجولون في الأحرام المختلفة ولا يريد أحد ان تنشأ تحرشات.

كانت جامعة النجاح في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تسمى جامعة الفقراء، كما تذكر هذا الاسبوع طالبان سابقان في الجامعة تدرس بناتهما فيها اليوم. وقد نجحت الادارة وهيئة الأمناء المؤلفة من ممثلي العائلات الغنية ذات التأثير في المدينة، في جمع تبرعات مكّنتهم من إقرار رسوم دراسية منخفضة اذا قيست بالجامعات الاخرى (في بيت لحم وفي الخليل وفي بيرزيت شمال رام الله)، وتقديم هبات وقروض بشروط سهلة. ويتذكر الخريجان النجاح بفخر بأنها جامعة خرجت منها في ثمانينيات القرن الماضي وفي مطلع تسعينياته التظاهرات على الاحتلال الاسرائيلي، ونشأ من حركتها الطلابية زعماء في فتح وفي المنظمات اليسارية في م.ت.ف وفي حماس ايضا.

ويتذكر أحد المحاضرين القدماء أن ‘الطلبة الذين كانوا ذات يوم أكبر سناً’: وقد قضوا عدة سنوات في السجون الاسرائيلية، وحينما خرجوا سُجلوا في الجامعة وجعلوا الدروس أكثر اثارة وغليانا. وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي وفي سنوات الانتفاضة الثانية فازت حركة الطلاب المؤيدة لحماس عدة مرات بأكثر الاصوات في مجلس الطلاب في الجامعة، التي اعتبرت أنها لفتح وفي فترة رئاسة الحمدالله. ولم تُمنع تظاهرات تأييد لمسلحي المنظمات المختلفة وللعمليات الانتحارية لأن هذا كان يبدو طبيعيا في جو هجمات عسكرية وثكل وارادة انتقام. ويتذكر الطلاب من جهة ثانية أن حصار نابلس والقيود الشديدة على الحركة لم تعتبر سببا للغياب أو التأخر عن الدروس. واستمرت الدراسة والامتحانات آنذاك ايضا قدر المستطاع.

أُجريت في نهاية نيسان/ابريل انتخابات مجلس الطلاب في نابلس. ونافست القائمة المؤيدة لحماس لأول مرة منذ 2008 وفازت بـ33 مقعدا وفازت قائمة فتح بـ43. وتقول طالبة لم تصوت ان ناشطي حماس كانوا أفضل تنظيما وأكثر موضوعية.

أما ناشطو فتح فكانوا شديدي الفظاظة. إن التقسيم الحزبي مُضلل، يقول محاضرون وطلاب على حد سواء، فالاختلاف والتنافس هما في القوة والمواقع لا في الايديولوجية والرؤية. ويقول محاضرون وآباء طلاب إن أكثر الطلاب وهم من انتاج جهاز تربية السلطة الفلسطينية غير مُسيسين.

إن معلوماتهم عن تاريخ فلسطين وجغرافيتها منقوصة. ‘قبل عشرين وثلاثين سنة قالوا لنا إن التعليم جزء من نضالنا للاحتلال’، يقول أحد المحاضرين محتجا، ‘لكن الدراسة اليوم تعوزها الهوية القومية. فهي جزء من الاستهلاك لا من الثقافة وترمي الى خدمة الطموح التكنوقراطي الى بناء مؤسسات للدولة غير الموجودة’. وليس هذا انتقادا للحمدالله لكنه انتقاد للتصورات العامة التي توجه الحكومة التي سيرأسها.

حرره: 
م.م