نجح بيرس في انقاذ اسرائيل من ورطات خانقة

بقلم: ألوف بن
كان اسهام شيمعون بيرس الرئيس في خدمة دولة اسرائيل في إصراره على أن لكل مشكلة حلا. إن بيرس هو تجسيد لـ’دكتور التنفيذ’ وهو البطل البيروقراطي لافرايم كيشون. لأنكم اذا أعطيتموه مهمة مهما تكن مركبة فسيجد ما يفعل.
لاحظ دافيد بن غوريون صفاته قبل ستين سنة، حينما عينه مديرا عاما لوزارة الدفاع وألقى عليه مهمة احضار طائرات حربية وردع ذري الى اسرائيل. وفتح بيرس أبوابا في فرنسا والمانيا وانشأ المفاعل الذري في ديمونة واكتسب اسم التنفيذي. وحينما كان رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ثمانينيات القرن الماضي استعمل ‘خطة إقرار الاوضاع′ لصد التضخم المالي وفتح الجهاز الاقتصادي للمنافسة. وبعد ذلك بعشر سنوات حينما كان وزير الخارجية في حكومة اسحق رابين، حاك اتفاق اوسلو الذي ما زال رغم نقائصه وأزماته وتحولاته القاعدة المعترف بها لادارة العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين.
في الحالات الثلاث ديمونة والخطة الاقتصادية واوسلو حل بيرس مشكلات كانت تبدو أكبر من أبعاد الدولة أو لقيت عوائق سياسية كبيرة. لكنه تميز حينما كان يوجد فوقه شخص آخر تحمل المسؤولية ومنحه دعما: بن غوريون في ديمونة ورابين في اوسلو (وكان اختلاف الرأي في الخطة الاقتصادية أقل). ونجح بيرس أكثر من آخرين في ‘استجلاب رب العمل’ واستخدام القوة السياسية لرئيس الحكومة فوقه من اجل الدفع برؤاه الى الأمام. وجعله سلوكه هذا يحظى بصفة ‘دساس لا يكل’ على لسان رابين.
لم ينجح ذلك دائما، فقد رفض موشيه ديان اقتراح بيرس اجراء تجربة ذرية تظاهرية (اجل، اجل ‘بحسب مصادر اجنبية’) بغرض تخويف عبد الناصر ومنع حرب الايام الستة. ووجه ارييل شارون بيرس لمفاوضة الفلسطينيين في 2001 ثم رمى في القمامة مسودة الاتفاق التي أحرزها مع أبو العلاء، التي كان يمكنها أن تُبرد لهب الانتفاضة الثانية. واحتال عليه بنيامين نتنياهو حيلة مشابهة ازاء أبو مازن قبل نحو من ثلاث سنوات.
أعوز بيرس أمران ميزا عظيمي جيله، وهما استاذه ومعلمه بن غوريون وخصمه الأكبر مناحيم بيغن. فهو لم تكن عنده ايديولوجية متصلة وصعب عليه ان يسوق الجماهير. فقد قدّس بيرس الفعل والتصالح وامتنع في أكثر الحالات عن صراعات عامة على مواقف ليست ذات شعبية. وكان ميدان عمله في الأروقة وفضل دائما ان يكون في الحكم حتى في موقع هامشي، بدل ان يعرق في الصحراء السياسية. إن قدرته على الخطابة مدهشة، لكنها تثير التقدير له لا الحماسة والاجلال المنتشي كالذي أثاره بن غوريون وبيغن. ولهذا فانهما شكلا صورة الدولة وخلفا وراءهما تركة أكثر من كل رئيس حكومة آخر. وقد حظي الرئيس بيرس في السنوات الاخيرة بحب الجمهور الذي منع عنه في سنوات المنافسة والصراعات السياسية، لكن ذلك كان جائزة إرضاء.
ومع كل ذلك، استجمع بيرس في السنة الماضية شجاعة عامة وقام علنا في مواجهة رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك ودعا الى الامتناع عن هجوم اسرائيلي على المنشآت الذرية في ايران. وقد جاء نتنياهو وباراك اللذان عرفا أنه ينوي أن يتحدث في الخارج، الى منزل الرئيس وحاولا اقناعه بأن يسكت، لكن بيرس لم يستسلم لهما واوقف تدخله الانطلاق السريع الى الحرب، بعد اسبوع من المقابلة الصحافية تحت عنوان ‘متخذ القرارات’ لآري شبيط التي فُسرت بأنها أمر اقلاع لسلاح الجو الاسرائيلي. إن الاسرائيليين الذين اجتازوا الصيف المصيري من دون رشقات صواريخ وجنازات، مدينون له (ولباراك اوباما) بحياتهم.
إن بيرس بتدخله في القضية الايرانية في الوقت الدقيق والنغمة الصحيحة عاد للحظة الى أداء دور ‘دكتور التنفيذ’. وأصبح مرة اخرى في أفضل حالاته في ‘الاحتيال على رب العمل’ واستجلاب رئيس الوزراء الى موقفه. وحينما سيحتفل هذا الاسبوع بيوم ميلاده التسعين في مؤتمر الرئيس في القدس سيسخرون وبحق من بحثه عن التكريم، لكن ستكون هذه ايضا فرصة لتذكر المشكلات التي حلها في لحظات امتحان قومية ونسبة فضل ذلك اليه.