متى كان بدو النقب فلسطينيين؟!

بقلم: موشيه آرنس*
هل البدو فلسطينيون؟ فكرتُ في هذا السؤال حينما رأيت اعضاء الكنيست العرب في النقاش الذي جرى في الكنيست حول اقتراح قانون براور، وهو قانون تنظيم توطن السكان البدو المفرقين في النقب. فقد صرخوا وصاحوا ومزق كل واحد منهم بعد انتهاء حديثه نسخة اقتراح القانون التي جاء بها الى منصة الخطباء. وأثار هذا الشيء في الذاكرة صورة الراحل حاييم هرتسوغ الذي مزق في نهاية خطبته في الجمعية العمومية للامم المتحدة نسخة قرار الأمم المتحدة، الذي قضى بأن الصهيونية عنصرية.
كان واضحاً أن أعضاء الكنيست العرب، أولئك الذين يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، قد استقرت آراؤهم على ضم البدو في النقب إلى صفوف الشعب الفلسطيني.
بيد أنه من الواضح ان ملايين البدو الذين يعيشون في أنحاء الشرق الاوسط ليسوا فلسطينيين. فالبدو في السعودية ليسوا فلسطينيين، كما ان البدو في سيناء ليسوا كذلك. فهل البدو في الأردن اردنيون؟ إن البدوي مخلص قبل كل شيء لقبيلته كما يُزعم. ويصح ذلك ايضا على البدو الذين يعيشون في النقب. لكن البدو في النقب كانوا في السنوات الاخيرة مُعرضين لضغوط من الحركة الاسلامية الشمالية التي تحاول ان تجعلهم أكثر تقوى، ويُظهرون عداوة لدولة اسرائيل، ويعتبرون أنفسهم فلسطينيين أو بدواً فلسطينيين على الأقل.
وهذا الشيء يخدم هدفا سياسيا واضحا وهو شمل كل مواطني اسرائيل الذين يتحدثون العربية تحت تعريف "فلسطينيين". يمكن أن نرى ذلك جزءاً من مشروع لإنشاء أمة فلسطينية بدأ بانشاء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964 ونال نجاحاً مدهشاً منذ ذلك الحين. والى ذلك الحين كان المتحدثون بالعربية بين سكان المنطقة التي خصصتها عصبة الامم لانشاء وطن قومي لليهود يُعرفون بأنهم عرب.
ودعت مقترحات تقسيم المنطقة، ومنها مقترح لجنة بيل البريطانية في 1937 والجمعية العمومية للامم المتحدة في 1947، الى التقسيم الى "دولة يهودية ودولة عربية". وسمت القيادة السياسية العربية في "ارض اسرائيل" تحت سلطة الانتداب، وعلى رأسها مفتي القدس، نفسها "اللجنة العربية العليا". لكنهم معروفون للجميع اليوم باسم "فلسطينيين". لو أن منظمة التحرير الفلسطينية نجحت في خطتها للسيطرة على الأردن في "أيلول الاسود" في 1970 لأمكن ان نفترض أنهم كانوا سيغيرون اسمه إلى فلسطين.
والآن في الوقت الذي أصبحت فيه الدول القومية التي أُنشئت في الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الاولى – العراق وسورية ولبنان – تنتقض عُراها ومعها أيضا "الأمم" التي "نشأت" فيها، يتقدم إنشاء الأمة الفلسطينية بلا كلل بتشجيع من الامم المتحدة والولايات المتحدة واسرائيل. ويجوز لنا ان نذكر انه يوجد اليوم كيانان فلسطينيان سياسيان منفصلان – في رام الله وغزة – وقد يتحقق كيان ثالث في المستقبل في الأردن، وقد تفضي هذه الحالة الى انتقاض العُرى في السنوات القادمة.
إن اعضاء الكنيست العرب، أو ربما يُفضل أن نقول الفلسطينيين، مشغولون بتطبيق هيمنة فلسطينية على كل مواطن اسرائيلي لغته الأم العربية. والبدو في النقب هم الذين حان دورهم.
تجاهلت حكومات اسرائيل على اختلاف أجيالها مشكلة البدو في النقب. وهبت الحركة الاسلامية واعضاء الكنيست العرب الآن ايضا الى ملء الفراغ الذي نشأ. وكان اقتراح قانون براور أول محاولة لحكومة اسرائيلية لاقرار سياسة متسقة تُحسن الى البدو في النقب والى دولة اسرائيل ايضا. وتم هذا الاجراء في مرحلة متأخرة جدا وهو لا يجيب عن جميع المشكلات التي يواجهها البدو حينما يريدون الاندماج في مجتمع الهاي تيك الحديث، لكنه قد يكون علامة بدء، فلا عجب، اذاً، من ان اعضاء الكنيست العرب يناضلونه بما أوتوا من قوة.
*وزير دفاع أسبق.