الفشل الامريكي في مصر

بقلم: سمدار بيري
رغم أن الامبراطورية الوحشية من الخبراء، المستشارين، المستشرقين، وكالتي الاستخبارات، السفارة المضخمة في القاهرة والوشاة المحليين، لا تزال الادارة في واشنطن لا تجد ايديها وأقدامها في الصورة المعقدة لمصر.
وهاكم بقشيشا من عندنا: كي تفهم ما يحصل وما سيحصل في العالم العربي فانك تحتاج الى حاسة حادة، اقدام على الارض وبطن حساسة، ليس فقط اوراقا وشيفرات. المصري المجرب يعرف انهم يتنصتون على كل كلمة. المصري الحذر يفهم ان واشنطن لا تنجح في حل اللغز.
الرئيس اوباما لا يكف عن الخطأ: هو الذي دفع نحو الاطاحة بمبارك باسم الديمقراطية، وهو الذي عين مبعوثين خاصين لفتح قناة مع الاخوان المسلمين، ولم يصر على ان ينتزع منهم ضمانات بالديمقراطية. وسافر ‘الاخوان’ في السنة الماضية جيئة وذهابا من والى واشنطن. وفجأة هم في قسم رجال الاعمال في الطائرات، فجأة في فنادق خمسة نجوم، يكتشفون امريكا. وفي البيت الابيض لم يكفوا عن التأثر بمذهبهم الفكري ‘المعتدل’.
لقد تجاهلت الادارة الامريكية التحذيرات عما يطبخ في مكاتب ‘المرشد’. وملأت شاشة ‘الجزيرة’ بالوجوه المهددة الذين صعدوا من الحياة السرية. ودفعة واحدة باتت لهم قائمة مطالب. وبذر اوباما عشرات (وربما مئات) ملايين الدولارات على تقويمات للوضع منقطعة عن الواقع. والان هو عالق في مشكلة غير بسيطة: كيف يبيع للكونغرس الانقلاب العسكري في مصر، من دون أن يلغي المساعدة المالية السنوية التي تحتاجها مصر كالهواء للتنفس.
هذا ليس انقلابا عسكريا، ايها الرئيس اوباما. هذا تعديل للمسار الذي أنت مسؤول عنه بقدر لا بأس به. أنت دفعت مبارك الى الخارج ولم تدرس السلوك السري ‘للاخوان’. لا تحاول معاقبة 30 مليون مصري خرجوا للتظاهر ضد غرور الدكتاتور الذي انفعلت منه. مرسي صرخ بهستيريا: ‘انا الرئيس الشرعي’ 59 مرة على نحو متواصل، كي يورطك.
مرسي وعصبته شقوا مصر الى معسكرين، من دون أن يرف لواشنطن جفن حتى ولا مرة واحدة. شباب حركة تمرد خرجوا لاصلاح الثورة التي سرقت منهم بمناورة داهية من ‘الاخوان’ الذين امسكوا اللحظة، اختطفوا الميكروفونات وعزو النصر لانفسهم. وقد ارسل مرسي ليعد بان يكون رئيس ‘الجميع′، وتهدئة واشنطن، وأسياده في ‘الاخوان’ عملوا على اقتسام الغنيمة. بدهائهم نجحوا في تنويم خبراء اوباما، وايقاع جيش الخبراء في السفارة الامريكية المغمضة في القاهرة في فخ مطلي بالعسل.
صحيح أن وزير الدفاع السيسي، وليس المتظاهرين في التحرير، هو الذي عزل مرسي. كل يوم يجلب معه تفاصيل جديدة عن الدراما الكبيرة. خلف الكواليس دارت معركة جنرالات: السيسي جند النجوم الكبار لحركات المعارضة لاقامة حكم جديد. مرسي طبخ خطة، فقد وجد خليفة للسيسي، قائد الجيش الثاني، اللواء ابراهيم وصفي. استدعوه الى القصر لنزع القبعة العسكرية عن السيسي ووضعها على رأس الجنرال، في اللحظة الاخيرة الخليفة لم يأتِ، والسيسي أوصى مرسي بالانصراف من مصر وعدم تكرار خطأ مبارك.
‘الاخوان’ لن يتنازلوا، بعد خمسة أيام من ضبط النفس توجد مواجهات عنيفة، ميادين مشتعلة، قتلى ومئات الجرحى. عندنا يتابعون ويسكتون. الحقيقة هي أن النقاش على علاقاتنا مع مصر الى أين؟ هو نقاش زائد لا داعي له. دعوهم يقيمون الحكم الجديد ويعيدون الامن الى الشوارع. يوجد الكثير مما يمكن الحديث فيه، يوجد القليل جدا مما سيعدوننا به. السلام البارد لا يسارع الى اي مكان.