الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط

بقلم: تسفي برئيل

لم يوجد قط في اسرائيل تباحث عميق جدا في مسألة الديمقراطية، لا الديمقراطية الاسرائيلية معاذ الله، بل الثورة التي وقعت في مصر. هل هو مقبول أم غير مقبول ان يُقصي الجيش محمد مرسي؟ وأي نوع ديمقراطية هو الذي يتظاهر فيه الجمهور على رئيس منتخب؟ ولماذا لم يستطيعوا انتظار ثلاث سنوات وانتخاب رئيس جديد؟ أوليس للجمهور حق في ان يقصي سلطة اذا أظهرت في بداية ولايتها علامات استبداد وهي تطمح الى فرض الدين على الدولة؟ إن التعليلات المدروسة والاخلاقية ترد الروح حقا. أي خطاب جدي جليل مغموس بخيبة أمل عميقة من السلوك القبيح للمصريين والجيش الذي هو حليف اسرائيل.

كنا قبل لحظة فقط نخشى حكم الاخوان المسلمين، وكنا نعد في خيالنا عدد صواريخ القسام التي ستسقط علينا. وسكن روعنا عندما وعد مرسي بالابقاء على اتفاق كامب ديفيد، وهجنا مرة اخرى حينما أسقطوا الرئيس الذي كدنا نعتاد عليه. كما وترنا بالضبط عضلاتنا حينما بدأ الاسد يذبح المواطنين السوريين، فقد أردنا في البداية ان يخسر. وقلنا انه اذا سقط الاسد فستنفصم الحلقة التي تربط ايران بحزب الله. وبعد ذلك أثر فينا العدد الضخم المخيف للقتلى السوريين وتغلغل شيء من الشفقة الى الخطاب الاسرائيلي لحظة قصيرة، لكنه زال دفعة واحدة، فقد تبين ان المتمردين ‘عصابات مسلحة’ وأخطر من ذلك أنهم اسلاميون متطرفون سينشئون قاعدة لـ’القاعدة’ قريبة من اسرائيل. فيجدر ان يظلوا يُقتلون بشرط ألا تنشأ ديمقراطية مهدِّدة في سورية.

وكنا على حق، فالعرب غير قادرين على انشاء ديمقراطية. ولم يعد تاج في خطر. فليتعلم العرب من اسرائيل، فهنا حينما تكذب السلطة على مواطنيها وتُنكر كل وعودها وتُعرض حياة المواطنين ومكانة الدولة في العالم للخطر، يتم الحفاظ على التهذيب الديمقراطية بحرص. فالاجراء فوق كل شيء حتى حينما يفضي المسار الى هاوية ممهدة، كما يحسن بالمحافظين على القانون.

تستطيع الكنيست باسم الديمقراطية ان تجيز قوانين عنصرية قبيحة أو تقترح اقتراحات سيئة السمعة كالغاء اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية وسلب من لا يخدم في الجيش حقوقه. ولا ترى الديمقراطية الاسرائيلية ان الاحتلال عمل غير ديمقراطي كما تتفهم إقصاء العرب. انها ديمقراطية تفضل ان تكون يهودية أولا وبعد ذلك فقط وعلى بعد، ليبرالية. ومواطنوها لطيفون ومهذبون وراضون عن الفاشية بشرط ان تكون ديمقراطية أو بالعكس. لكن الجدل لا يدور حول الديمقراطية الاسرائيلية لأن صورتها وطبيعتها لا تحتاجان الى نظر البتة. إن ملاءمة الديمقراطية المصرية أو عدم ملاءمتها للخطة العامة هي التي تقلقنا فجأة.

إن مصر هي دولة في ثورة. وأصبحت القوى المدنية، الدينية والعلمانية، التي تخلصت قبل سنتين ونصف السنة فقط من الاستبداد شبه العسكري للرئيس حسني مبارك في صراع الآن على صورة الدولة. ولم يُفض المسار الديمقراطي الذي أخرج الجيش من السياسة وانشأ نظام حكم حركة دينية الى التوازن الذي طمحت اليه القوى الليبرالية التي رأت الاخوان المسلمين شركاء في التمرد. إن الخوف من امكانية ان يصبح ما يُكتب في الدستور واقعا خالدا يقمع مبدأ الشراكة المتعددة الحركات، ويسلب من أحدث الثورة المكافأة السياسية والايديولوجية، قد أثمر المعركة الجديدة على صورة مصر. إن جموع المتظاهرين في المعسكرين لم تُثبط الديمقراطية بل تطمح الى تعريف ما هي ديمقراطيتها: أهي اجراء أم ماهية. وفي دولة اسرائيل حيث لم تعد الماهية تخضع للجدل منذ زمن، وتغلبت اليهودية فيها على الليبرالية، أصبح الاجراء هو المشهد العام، أما مصر فلا تعدو ان تبدأ هذا الاستيضاح. وهو قبيح وعنيف ومأساوي لكنه لب الثورة.