مانديلا ونحن

بقلم: أوري أفنيري

كان "مخربا"، وكان زعيم منظمة "ارهابية". ومكث 27 سنة في السجن ورفض ان يُفرج عنه مقابل التنديد ب"الارهاب". وقال إن لجمهور مضطهد الحق في ان يحارب المضطهدين بجميع الوسائل ومنها "الارهاب". لا يجوز ان نتجاهل هذا الفصل من طريق نلسون مانديلا وان نحصر العناية فقط في الفصل الثاني. بالعكس إن الفصل الاول خاصة هو الذي يمنح الفصل الثاني كامل قوته الاخلاقية.
أدهش مانديلا العالم مع الافراج عنه، فقد غفر لسجانيه ومضطهديه. وطلب الى أبناء شعبه ان يغفروا للمستبدين القساة الذين نكلوا بهم ونقلوهم في محطات الجحيم جميعا. إن شهوة الانتقام هي شعور انساني أساسي؛ فالشعب الذي يتحرر من نير مضطهديه يطمح الى الانتقام. وقد طلب نلسون مانديلا من جمهور أُذل عشرات السنين وقُتل عشرات الآلاف من أبنائه وبناته وعذبوا حتى الموت واغتصبوا وأبعدتهم شرطة سادية عن أحضان عائلاتهم – أن يغفر ويسامح.
وقف أمام "لجنة الحقيقة والمصالحة" قادة النظام وجنوده ورجال شرطته واعترفوا بأشد الجرائم إخافة مما يمكن ان يخطر بالبال وطلبوا المغفرة ونالوها. وغشيت الجميع روح مانديلا، وقد غفر لاسرائيل ايضا التي هي أخلص شريكة للنظام العنصري الى درجة التعاون الذري. وقد تذكر مانديلا اليهود الشباب الشجعان الذين عرضوا أنفسهم للخطر لمساعدته حينما كان "ارهابيا".
أفرج عن مانديلا من السجن عشية انهيار نظام "الفصل العنصري"، وهو الذي منح قلة تبلغ 20 في المائة سلطة مطلقة على الدولة مع جعل الـ 80 في المائة الآخرين مُداسين تحت الأقدام. وأعلنت قطيعة دولية مع هذا النظام أضرت ضررا شديدا بمكانته واقتصاده. لكن ليست القطيعة هي التي أسقطت النظام فقد سقط النظام على أيدي جموع السود الذين ثاروا عليه وحطموا اقتصاده بالاضرابات واعمال التخريب وبأعمال "ارهابية" ايضا.
يتم الحديث اليوم كثيرا عن التشابه بين الوضع في اسرائيل وبين نظام الفصل العنصري. اجل توجد جوانب متشابهة كثيرة يبدأ ذلك بالشوارع المنفصلة في الضفة وينتهي بالتمييز الواقع على المواطنين العرب في اسرائيل نفسها. وتقوي هذه الصورة ظواهر مثل طرد اولاد عرب من برك السباحة وعدم قبول مواطنين عرب في فروع البنوك. ويوجد تشابه ايضا بين الجيوب الفلسطينية في الضفة و"الكانتونات" في جنوب افريقيا.
لكن التشابه بين نظامي الحكم في واقع الامر سطحي. فقد كان البيض في جنوب افريقيا 20 في المئة في مقابل نحو من 80 في المئة من السود و"الملونين". واليهود في اسرائيل أكثرية تقرب من 80 في المئة واليهود الآن بين البحر والاردن يبلغون نحو النصف. وكان اقتصاد القلة البيضاء في جنوب افريقيا يقوم على عمل السود، أما الاقتصاد الاسرائيلي فيدبر اموره جيد جدا بلا عمل فلسطيني. وفي جنوب افريقيا تحيا أعراق مختلفة لكن الجميع يرون أنفسهم جنوب أفارقة. وفي ارض اسرائيل يحيا شعبان لا يوجد شيء مشترك بينهما لا اللغة ولا الثقافة ولا الدين ولا التاريخ ولا التصور السياسي. ولم يقترح أحد في جنوب افريقيا تقسيم البلاد. أما عندنا فتوجد أكثرية كبيرة في المعسكرين تؤيد التقسيم.
في جنوب افريقيا قام السلام في دولة واحدة. أما في البلاد فالسلام ممكن بين دولتين أختين فقط. ولم يحلم أحد بطرد السود من جنوب افريقيا. فكيف الحال عندنا؟.
من الممكن جدا ان يكون النظام في المناطق الفلسطينية المحتلة اسوأ من نظام "الفصل العنصري"، ولو بسبب مشروع الاستيطان وخطر التطهير العرقي فقط. والخطر الذي يغطي الشعب الفلسطيني أكثر من ذاك الذي كان يغطي السود في جنوب افريقيا. وآمل انه اذا جاء السلام – وسيأتي حتما – ان تغطي روح مانديلا الطرفين وان يكون السلام مصحوبا بتصالح. ان مانديلا واحد وحيد لكن ينبغي ألا ننسى ان مانديلا نجح في عمل المصالحة لأنه قام بازائه فريدريك فيلين دي – كلارك الزعيم الابيض المؤيد للفصل العنصري في الماضي، الذي نزع جلده ومد يده لمانديلا. وآمل ان يكون عندنا دي – كلارك خاص بنا حينما يحين الوقت

حرره: 
م . ع