طريق المفاوضات مرصوفة بـ "الألغام السياسية"

بقلم: شلومو بروم
أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في 19 تموز 2013 في مؤتمر صحافي في عمان بأن اسرائيل والفلسطينيين توصلوا الى اتفاق يشكل اساسا لاستئناف المفاوضات على الاتفاق الدائم. بالملموس اتفق على انه في غضون اسبوع سيعقد في واشنطن لقاء تمهيدي للمفاوضات، يشارك فيه وزير الخارجية الأميركي وصائب عريقات من الجانب الفلسطيني، وتسيبي لفني واسحق مولخو، مبعوث رئيس الوزراء نتنياهو، من الجانب الاسرائيلي. وفي هذا اللقاء سيتفق على جدول الاعمال والخطوط الهيكلية للمفاوضات الجديدة.
لقد نجح وزير الخارجية كيري في جسر الفجوات في الشروط التي طرحها الطرفان لبدء المفاوضات، وفي عدم قدرتهما على الوصول الى اتفاق على مبادئ المفاوضات من خلال خلق توازن حساس في أربعة مجالات خلافية:
- مسألة مرجعية المفاوضات وهي خطوط 1967 مع تبادل متفق عليه للاراضي – لا توجد موافقة من الطرف الاسرائيلي، ولكن الولايات المتحدة تتعهد للطرف الفلسطيني بانها تتبنى هذا المبدأ.
- مسألة الاعتراف الفلسطيني باسرائيل كدولة يهودية. لا توجد موافقة من الطرف الفلسطيني، ولكن الولايات المتحدة تتعهد لاسرائيل بانها تتبنى هذا المبدأ، وهكذا وازنت التزامها السابق للفلسطينيين.
- مسألة تجميد المستوطنات – لا توجد موافقة اسرائيلية على تجميد شامل للبناء في المستوطنات، ولكن يوجد تفاهم بين كيري والفلسطينيين بانه سيعمل على السماح فقط بالبناء في الكتل الاستيطانية وكذا سيعمل على السماح للعطاءات التي سبق أن نشرت. عمليا، يوجد منذ الان تجميد هادئ للبناء في كل المستوطنات بما في ذلك احياء القدس خلف الخط الاخضر.
- مسألة تحرير السجناء – استجابت اسرائيل الى طلب الفلسطينيين بتحرير السجناء الذين حكموا قبل بدء مسيرة اوسلو لفترات سجن طويلة، كلهم سجناء مع "دم على الايدي"، باستثناء السجناء الذين جنسيتهم اسرائيلية. وحسب مصادر اسرائيلية يدور الحديث عن 82 سجينا، اما حسب مصادر فلسطينية فعن نحو 250. يحتمل ان يكون معنى الرقم التي تشير اليه المصادر الفلسطينية هو أنه سيتحرر ايضا سجناء أقل ثقلاً من فترة ما بعد بدء مسيرة اوسلو. وسيتحرر السجناء بشكل تدريجي اثناء المفاوضات. تحرير السجناء هو موضوع مركزي من ناحية الجمهور الفلسطيني، والموافقة عليه ساعدت جدا عباس في أن يقرر استئناف المفاوضات.
توجد موافقة على أن تستمر المفاوضات ما لا يقل عن تسعة اشهر دون أن يتفق الطرفان على موعد انهاء ملزم. ووافق الطرفان على الامتناع عن خطوات احادية الجانب اثناء المفاوضات، والمعنى هو أن الفلسطينيين سيمتنعون عن استخدام اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية لاتخاذ خطوات احادية الجانب في مؤسسات الامم المتحدة في اثناء هذه الفترة. كما أنه يوجد تفاهم بين كيري والفلسطينيين بان تركز المفاوضات في المرحلة الاولى في مواضيع الحدود والامن. ليس واضحا اذا كانت اسرائيل تنازلت بالفعل عن طلبها أن تجرى المفاوضات بالتوازي في كل المواضيع.
الشيطان يوجد في التفاصيل، ولهذا يجب أن نأخذ بالحسبان أنه لا يوجد توافق كامل على استئناف المفاوضات، والامر منوط بنجاح "المحادثات حول المحادثات" في واشنطن. لا يزال معقولا ان تكون هناك الغام غير قليلة مثل عدم التوافق على جدول الاعمال وترتيب المباحثات، طلب فلسطيني في أن تكون مبادرة السلام العربية اساسا للمحادثات، وكذا تفسير محتمل مختلف للتفاهمات مع كيري يمكنها أن تفشل استئناف المفاوضات.
ان استئناف المفاوضات يتاح لان الطرفين لم يكونا مستعدين لان يتواجدا في حالة يتهما فيها من الولايات المتحدة والاسرة الدولية بالرفض وافشال استنئاف المفاوضات، ويتعين عليهما تحمل الاثمان نتيجة لذلك. يحتمل أن يكون احد الاسباب التي أثرت على الطرف الاسرائيلي هو نظام اخراج "المناطق" المحتلة من الاتفاقات التي يوقع عليها الاتحاد الاوروبي مع اسرائيل. وخلافا لزعم الناطقين بلسان حكومة اسرائيل، ثمة مكان للاعتقاد بان الخطوة الاوروبية ساعدت فقط في استئناف المفاوضات، ولم تخرب على احتمالاتها. فقد خشيت إسرائيل من إمكانية توسع نزع الشرعية عن اسرائيل نتيجة لصورتها الرافضة.
أما على الطرف الفلسطيني، فقد أثرت تهديدات الولايات المتحدة بتقليص دعمها المالي للسلطة الفلسطينية اذا ما استمرت في رفضها، ولكن أيضا الدعم القوي الذي وفرته الجامعة العربية لرئيس السلطة، محمود عباس، والذي معناه مظلة إقليمية لخطواته. وتجدر الاشارة الى أن وفد الجامعة العربية، الذي التقى بكثير في عمان، كرر في هذه المناسبة بانه حسب فهمه فان معنى إقامة المحادثات على اساس خطوط 67، الوارد في مبادرة السلام العربية هو أنه يحتمل تبادل متفق عليه للأراضي بحجم ونوعية متساويين. يحتمل أيضا أن يكون الانقلاب في مصر، الذي أسقط حكم "الاخوان المسلمين" وأضعف بذلك "حماس"، التي عولت على الدعم المصري، أعطى عباس إحساسا بانه تعزز سياسيا ولديه حرية عمل في اتخاذ القرار باستئناف المفاوضات دون الخوف من اثمان سياسية باهظة في الساحة الداخلية.
في الطرفين يقدرون بأن الفجوات بين مواقفهم كبيرة جدا، ولهذا فمن ناحية كل واحد منهما لا يوجد أي احتمال في أن يقبل الطرف الآخر اتفاقا يناسب شروط الحد الادنى لديه. عمليا، فقد جرا الى المفاوضات التي لا يؤمنون بها. من معقول انه سيكون لهذا أثران مركزيان. اولا، نبوءات كهذه تصبح في أحيان قريبة نبوءات تجسد نفسها، لانها تخلق عدم دافعية لبذ جهد حقيقي. من جهة اخرى، سيلعب الطرفان بقدر اقل الواحد مع الاخر، وبقدر أكثر مع اللاعب الأميركي، لارضائه واقناعه بان فشل المحادثات ليس بذنبه. ومع أن هذا يخلق دافعية معينة لابداء المرونة، لكن من الصعب الايمان بنجاح المحادثات عندما يكون الوسيط الأميركي يريد نجاحها اكثر مما يريد الطرفان نفساهما.
ان تحديد اطار زمني من تسعة اشهر يمكنه أن يساعد في ميول الطرفين، ولا سيما الطرف الاسرائيلي، لإجراء المفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من اجل الوصول الى اتفاق لان الطرف الثاني الذي تعهد بهذا الاطار الزمني لا يمكنه أن يهدد بتفجير المحادثات. والامر من شأنه ان يعزز عدم الثقة العامة بالمفاوضات والسخرية السائدة في الطرفين. وسيكون المعنى هو ان الازمة تأجلت فقط.
ثمة طريق محتمل لمنع الازمة في نهاية الاشهر التسعة هذه يمكن أن تكون موافقة الطرفين على أنهما سيبحثان ليس فقط في الاتفاق الدائم بل وايضا في خطوات انتقالية نحو الاتفاق. والمقصود هنا الخطوات التي في جوهرها ستستخدم لتحسين وضع السكان الفلسطينيين وتعزيز قدرة الفلسطينيين على بناء بنية تحتية لدولتهم المستقبلية واقتصادهم وذلك من خلال توسيع صلاحياتهم والارض التي تحت سيطرتهم. توافق كهذا سيعطي الطرفين مساحة لمواصلة المباحثات لانه يمكنهما أن يظهرا للجمهور في المعسكرين تقدما على الارض.
في هذه المرحلة لا يشكل الاتفاق على اساس استئناف المفاوضات تهديدا على سلامة حكومة اسرائيل. فالجناح اليميني في الائتلاف، حزب "البيت اليهودي" لا يعتزم الانسحاب من الائتلاف لان زعماءه لا يؤمنون بان المفاوضات ستؤدي الى اتفاق. ولكن يحتمل نشوب أزمات جراء تلطيف حدة مواقف اسرائيل اثناء المفاوضات، حتى قبل الوصول الى اتفاق. هذا ايضا لا يهدد بقاء حكومة نتنياهو لان احزاب المعارضة وعدته بالدعم من الخارج بل ويحتمل أن بعضها (ولا سيما حزب العمل) سينضم الى الائتلاف اذا ما انسحب "البيت اليهودي". كما أن المعارضة اليمينية لنتنياهو داخل "الليكود" ستجد صعوبة في العمل ضده، لانه لا يوجد بديل لنتنياهو. المعنى هو أنه لا توجد (بالتأكيد ليس في هذه المرحلة) اضطرابات سياسية داخلية جدا تثقل على حريته في العمل، ناهيك عن أن الاسرة الدولية، بما فيها الولايات المتحدة، ستجد صعوبة في أن تقبل حججا من الطرف الاسرائيلي بانه لا يستطيع إدارة مفاوضات ناجعة ومرنة لاعتبارات سياسية داخلية.