مصر ما زالت تتحطم

بقلم: بوعز بسموت
عادت الفوضى أمس (الأول) الى شوارع مصر في واحد من أشد الأيام عنفا التي عرفتها القاهرة. فبعد ان نفذ الجيش انقلابا عسكريا في الثالث من تموز، حينما عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، نزع أمس (الأول) القفازين بصورة نهائية وبدأ في ساعات الصباح عملية عنيفة لابعاد مؤيدي الاخوان المسلمين عن شوارع العاصمة حتى لو بلغت كلفة ذلك 150 قتيلا على الأقل و1500 جريح (وهذه هي الأرقام الرسمية)، لكن كلفة ذلك في الأساس هي تحطيم أسطورة اخرى من أساطير ثورة التحرير: فمن يستطيع الآن أن يعلن ان الجيش المصري، وهو جيش الشعب، لا يطلق النار على المواطنين؟.
ليس عجبا في هذه الحال أن استقال الممثل الأعلى لليبراليين في مصر، نائب الرئيس محمد البرادعي من منصبه. فما الذي يستطيع بعد ان يقدمه في دولة اصبحت ميدان صراع عنيف بين العسكريين وذوي اللحى؟ وإن هذه القصة المأساوية بعيدة عن النهاية، فمن المؤكد ان الاخوان المسلمين لم يقولوا بعد الكلمة الأخيرة لا في الشارع ولا من جهة سياسية ايضا.
ما زالت مصر تتحطم والمستقبل بعيد عن ان يبدو واعدا. فبعد ان تبخر حلم ديمقراطية ثورة التحرير اختار الجيش المصري ايضا ان يظهر وجها مختلفا، بل انه يشبه كما حدث أمس (الأول) وجه الجيش السوري. ولم تكن الجموع التي اجتمعت في 30 حزيران لعزل الرئيس مرسي تأمل ذلك.
يصعب ان نقول إننا فوجئنا، لكن من المدهش ان نرى كيف أمكن أن يسقط ملايين كثيرون في مصر وفي العالم في الشرك مرتين في غضون سنتين ونصف السنة، آمنوا في الحقيقة بأن ينشأ شيء ايجابي من كل الهرج والمرج الكبير ذاك. كانت الرومانسية دائما بدعة وإن اضطرت اليقظة التي هي أقل اثارة للحماسة لكنها أكثر واقعية الى أن ترث الحلم كما في مصر.
وجد في الشهر الماضي من تأثروا مرة اخرى بالجماهير المصرية التي رفضت بعد مبارك ان تقبل حكم الاخوان في هذه المرة، وصفقوا بحماسة كبيرة لسقوط مرسي. ويصعب ان نقول إن شخصا ما في هذا الجانب من الخريطة ذرف دمعة بعد عزله، لكن يصعب ان نقول ان العزل كان ديمقراطيا. إن مأساة مصر مزدوجة: فقد كان فوز مرسي صدا للحلم الديمقراطي لكن عزله كان كذلك ايضا.
وبقينا الآن مع سؤال هل الملايين الذين نزلوا الى الشوارع قبل بضعة أسابيع فقط لاسقاط مرسي بحماية الجيش (أو بتشجيع الجيش اذا شئنا الدقة) تمنوا في الحقيقة هذا الولد الذي ولد في مصر اليوم؟ وهل أرادوا حقا اعادة وضع الطوارئ في مصر (كما كان في عهد مبارك)؟ وهل أرادوا في الحقيقة ان يروا الحكم الجديد يفرض حظر التجول على المواطنين في شوارع القاهرة؟ وهل ما يزال يوجد نفس الاجماع على الجيش من قبل اولئك الليبراليين العلمانيين؟ إن استقالة البرادعي تشير الى أن هذا التحالف قد تحطم أمس (الأول) ايضا. يصعب ان نقول إن الليبراليين لم يتلقوا قبل ذلك اشارة خفية أو اثنتين الى ما هو متوقع. إن نتائج الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة التي منحتهم قدرة على الاختيار بين محمد مرسي من حركة الاخوان المسلمين وبين أحمد شفيق وهو رجل النظام القديم – أكان ذلك ما تمنوه؟ كان يمكن آنذاك ان نرى ان مصر في هذه المرحلة أو غيرها ستعود الى نقطة البداية لكن من غير مبارك فقط.
وماذا سيكون بعد الآن؟ إن التصعيد أمس (الأول) في مصر بمبادرة الجيش خاصة يمكن ان يخدم الاخوان المسلمين مع ما في هذا من التناقض. فبعد أن عزلوا عن السلطة أصبحت المواجهة الآن هي طريقهم للبقاء. هذا الى أن الجيش منحهم حتى امكانية ان يتم تصويرهم اليوم بصورة نهائية بأنهم ضحايا الثورة لا سارقوها كما كانت الحال في عهد رئاسة مرسي.
يجب ان يكون واضحا ان الاخوان المسلمين ليسوا سلميين بالضبط، ومن المغري لهم جدا اليوم ان يتبنوا طريقة الاخوان في سوريا وان ينشئوا بدورهم "جيشا حرا". ومن المؤكد ان هذا لا يضمن هدوء في القاهرة ولا بالقرب منا في شبه جزيرة سيناء ايضا. وهذا السيناريو يضمن لنا حربا أهلية.
ومهما يكن الأمر فان عنف الجيش أمس (الأول) يشير الى رغبته في إزالة الاخوان المسلمين من الخريطة السياسية كما كانت الحال في عهد مبارك وألا يراهم ينافسون في الانتخابات القريبة لأنهم ما زالوا اليوم ايضا القوة السياسية المنظمة الوحيدة في مصر. وعلى كل حال فان الانتخابات لا ترى في الأفق في هذا الوضع.
ومما لا يقل عن هذا أسى في هذا الأمر ان واشنطن غير قادرة على ان تفعل شيئا، بل إنها محيدة. إن واشنطن قد فقدت كل ثقة بها اليوم في مصر من قبل الجيش ومن قبل الاخوان بل من قبل الليبراليين. وقد أصبح لدول الخليج خاصة ما تبيعه في مصر. إن السعودية، بخلاف قطر، لم تشأ سقوط مبارك وصعود الاخوان المسلمين، فالسعودية تطمح الى المحافظة. وينبغي ان نفترض ان تساعد الجيش في هذه المرحلة أو تلك على اختيار وريث مبارك.
لا ينبعث عن كل هذا رائحة الديمقراطية، لكن ليست الديمقراطية هي التحدي اليوم في مصر، بل كيف يتم احراز استقرار دون اعتراف بأن أحد الحلول هو اعادة العجلة الى الوراء.
اسرائيل اليوم