"حماس" في وضع حرج

بقلم: د. رؤوبين باركو

يأتي استعداد القوى الكبرى وعدد من الدول العربية والاسلامية لرد عسكري محتمل ضد نظام الأسد المجرم متزامناً مع التحولات في مصر. وقد بدأ في الخلفية في الآونة الاخيرة تفاوض سياسي بين ممثلي السلطة الفلسطينية واسرائيل. ويبرز في هذا الوضع حرج منظمة "حماس" في غزة.

يشير تحليل وضع "حماس" الى أن سلسلة الضربات التي أصابت المنظمة نتاج الأحداث في المنطقة تُعرض للخطر مكانتها في غزة وفي الساحة الفلسطينية. وهناك من يشيرون الى ساعة كارثة لـ"حماس.

إن نظرة سريعة في المحيط الجغرافي الاستراتيجي الذي أحاط بـ"حماس" في غزة قبل الأحداث في سورية ولبنان ومصر تُظهر جنة عدن، التي كانت المنظمة فيها، وهي جنة لم يحلم بها حتى أحمد ياسين من قبل. كانت سورية "قيادة خارجية" وقدمت دعما ماليا واعلاميا وسلاحا لقادة "حماس" في العالم، في حين كانت القيادة الداخلية حكومة تنفيذية تحدّت شرعية السلطة الفلسطينية ورفضت مصالحتها بقوة.

أطلقت "حماس" صواريخ على اسرائيل، وأعلنت قيادتها نيتها القضاء عليها، بل حظيت بشعبية طاغية في دول مختلفة في العالم، ولا سيما تركيا التي أرسلت القافلة البحرية "مرمرة" المتضامنة مع غزة، بل إن اردوغان وهو من "الاخوان المسلمين" كان ينوي زيارة غزة، وكانت حكومة "حماس" نموذجاً لثورات "الاخوان المسلمين" في العالم، وحصلت على تبرعات بلغت ملايين الدولارات في حقائب انتقلت مباشرة عبر أنفاق رفح، وأدارت اقتصاد استيراد وفرض ضرائب بصورة احتكارية وربحية عن طريق الأنفاق. ومكّن ذلك المنظمة من أن تُدخل الى غزة سيارات ووسائل قتالية ومن أن تُجازي المقربين بالدفع وبالوظائف. ونجحت هذه الطريقة، وأحدثت "حماس" عمداً أحداثا موجهة ضد اسرائيل لمنع نقل السلع عن طريقها.

ودربت ايران الشيعية "ارهابي" المنظمة وأرسلت مالا وسلاحا الى غزة، وساعد "حزب الله"، الذي أصبح وكيلا للقطاع "حماس" بالتدريب والسلاح بإيحاء من ايران. وأصبحت دول الخليج، وفي مقدمتها قطر الى جانب شبكة "الجزيرة"، تتحدث عن المنظمة وتسعى الى لقاء اسماعيل هنية ومحمود الزهار وخالد مشعل. فقد خشي بعضها من قوة "الاخوان" الصاعدة في "الربيع العربي"، ودفعت مالاً كثيراً الى قادة غزة "المحاصرة والمناضلة".

وقد استمرت جنة عدن "حماس" في فترة حكم مبارك الذي أغمض عينه عن صناعة الأنفاق ومسارات تهريب السلاح الذي تدفق من افريقيا وايران ولبنان وعن طريق سيناء ايضا. وتحول شبه الجزيرة الى جيب ارهابي لـ "القاعدة" و"الجهاد العالمي" والى قاعدة خروج وإمداد لـ"حماس" من الارض المصرية.

وحاولت حكومة مرسي، التي حظيت بدعم "حماس" حتى حينما عُزلت، أن تظهر للغرب بمظهر العاملة على مواجهة الارهاب الاسلامي، وعملت في سيناء في تكاسل وأغلقت عددا من الأنفاق، لكنها أغمضت عينها وشاركت في تمثيلية "الاخوان" من غزة. وتلبدت سماء "حماس" بالغيوم بسبب موجة عكرة موجهة ضدها من الجمهور المصري بسبب عشرات العمليات في سيناء التي نُسبت إليها بتعاون مع متطرفين اسلاميين اشتملت على قتل جنود مصريين وإضرار بأنابيب الغاز ومحاولات توريط مصر واسرائيل في حرب.

نسبت معارضة مرسي الى الرئيس المعزول التعاون مع "حماس" على مصالح مصر، ونية نقل سيناء الى الفلسطينيين، وتهريب منتوجات بنية تحتية الى غزة على حساب الشعب المصري. وكادت ثورة السيسي، التي عملت "حماس" على مواجهتها، تقضي تماما على صناعة الأنفاق، وأغلقت في وجهها طريق السلاح والمال.

اضطر قادة "حماس" الكبار الى ترك سورية بسبب المجزرة التي ينفذها الاسد. وهم غير مرغوب فيهم في الأردن كما تعلمون. وتوقفت إدارة ايران ومنظمة "حزب الله" اللتان تؤيدان الأسد على "الاخوان" عن تحويل السلاح والمال، وابتعدت دول عربية اخرى. وأصبحت "حماس"، التي يسوء حالها، تفقد الشرعية في غزة، ومن المحتمل أن تفقدها في الضفة أيضا.

وتحتاج "حماس" الآن الى وساطة "فتح" حتى في مصر. وهي تملك صواريخ تستدعي من إسرائيل الدمار والموت فقط. هناك من يزعمون أن بقاء المنظمة الضعيفة عنواناً مسؤولاً في غزة أفضل لاسرائيل. وذلك الأمر سيُخلد الانقسام في الشعب الفلسطيني ويكون ذريعة لاسرائيل لمنع تسوية مع الفلسطينيين. ويتبين أن الهزيمة التي نشأت لن تحث "حماس" برغم الدعم التركي الباقي الى الآن على التوصل الى تسوية مع السلطة الفلسطينية ولا الى محادثة اسرائيل بيقين، فالذي "يتحدث الى الله لا يتحدث الى عبد الله".