أوباما بين إيران وإسرائيل
عندما أصبح أوباما رئيساً للولايات المتحدة في عام 2009، كان من أولى مبادرات سياسته الخارجية التقارب مع إيران، قائلاً «إن حكومته سعت إلى التعامل بأمانة وعلى أساس الاحترام المتبادل». وكان من بين مميزات سياسة أوباما أنه يفضل الدبلوماسية عموماً على المواجهة والصراع، ولكن تلك المحاولة الأولى للمصالحة واجهت الرفض من قبل إيران، ومن ثم عادت الإدارة الأميركية إلى السياسة الحادة تجاه طهران والتي انتهجتها واشنطن خلال ما يزيد على ثلاثين عاماً.
وقد دعم الشعب الأميركي هذه الشدة بسبب مشاعر الغضب والاستياء إزاء طهران التي تعود إلى عام 1979 عندما احتجز نظام الخميني أميركيين كرهائن لمدة 144 يوماً في إجراء غير مسبوق ضد الولايات المتحدة. وعلى مدار ثلاثة عقود، تعززت المشاعر العدائية لدى قطاعات من الشعب الأميركي تجاه إيران وحكومتها بشكل متكرر.
وعندما كان محمد خاتمي رئيساً لإيران لمدة ثمانية أعوام بين عامي 1997 و2005، أعرب عن رأيه بأنه ينبغي ألا يكون هناك صراع حضارات وإنما حوار بين إيران والغرب.
وحاول التقارب مع الولايات المتحدة، ولكن واشنطن لم تستجب، ولم يضغط الكونجرس أو الشعب الأميركي على حكومتهما من أجل التواصل مع النظام الإيراني بسبب حالة الاستياء الموجودة.
وعليه، كان من السهل بالنسبة لجورج بوش، عندما أصبح رئيساً في عام 2001، أن يركز على إيران ويصنفها كأحد أشد أعداء الولايات المتحدة.
وفي عام 2002، أعلن بوش أن إيران جزء من «محور الشر»، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، الذي تعتزم حكومته محاربته.
وعندما شن الحرب على العراق في عام 2003، اعتقد كثيرون أن إيران هي الهدف التالي، وكان المؤيدون المتعصبون في الإدارة الأميركية يريدون أن يتخذ إجراءً عسكرياً ضد إيران، واعتبروا أن التقارب الدبلوماسي مع طهران دليل ضعف.
وفي الحقيقة، بعد أن دخلت القوات الأميركية، واحتلت العراق بوقت قصير في عام 2003، أرسلت حكومة خاتمي إشارة إلى واشنطن تعرض فيها التفاوض على كافة القضايا الثنائية العالقة.
وربما أن دافع طهران وراء هذه الإيماءة التصالحية كان الخوف من أن تنتقل القوات الأميركية سريعاً إلى إيران، ولكن إدارة بوش تجاهلت هذه المبادرة الإيرانية.
وفي عام 2005، عززت خلافة نجاد لخاتمي كرئيس الوجه السلبي لإيران في أذهان الأميركيين، واعتبروا أن الانتقادات العلنية القاسية التي دأب نيجاد على توجيهها للولايات المتحدة تعتبر بمثابة إهانة، ولم تؤكد لهم سوى أن إيران تمثل تهديداً على المصالح الأميركية.
وفي غضون ذلك، بلغت العدائية المتبادلة بين طهران وواشنطن مستويات جديدة، وواصل المرشد الأعلى في إيران التأكيد على فكرة أن الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر» تمثل تهديداً على إيران.
وأثناء فترته الأولى في المكتب البيضاوي، أضحت سياسة أوباما تجاه إيران، بعد أن فشلت محاولته الأولى للتقارب، أكثر حزماً، بينما شعر كثير من الأميركيين بالارتياح إزاء هذا، والأكثر أهمية أن ذلك تلاءم تماماً مع علاقات أوباما مع إسرائيل.
وقد بذل نتنياهو جهوداً علانية مستمرة لإقناع الولايات المتحدة بمطالبة إيران بالتخلي عن برنامجها النووي بأسره لأنه ربما يفضي إلى امتلاكها سلاحاً نووياً.
ووافق أوباما على أنه ينبغي منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وفي كلمة ألقاها أمام مجموعة داعمة لإسرائيل أثناء حملته الانتخابية، أوضح أن سياسة «احتواء» إيران -وهي السياسة التي انتهجتها واشنطن تجاه الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة- لم تكن كافية.
وأيد نتنياهو تصريحات أوباما، ولكنها لم تكن قوية بما يكفي بالنسبة له، واعتقد كثير من الأميركيين أنه كان يدفع أوباما للقيام بضربة عسكرية ضد إيران، وأن إسرائيل ربما تضطر للقيام بهذا العمل العسكري بمفردها.
وفي هذه الأثناء، عندما أصبح حسن روحاني رئيساً لإيران في أغسطس الماضي، وأعرب عن اهتمام شديد بالتوصل إلى تسوية تفاوضية للقضية النووية، وضع هذا أوباما أمام اختبار.
فهل يستجيب لهذه المقاربة كفرصة كان يأمل فيها خلال الأعوام الأربعة السابقة؟.. وإذا فعل ذلك، فهو يدرك أنه سيستعدي نتنياهو، الذي كان يحذر بالفعل من أن روحاني شخص يمثل الخطر القديم، ولكن بوجه مبتسم، واضطر أوباما أن يختار بين الفرصة الجديدة الممكنة للمساعدة على تقليل التهديد النووي الإيراني من جانب، ورغبته من جانب آخر في مداهنة نتنياهو واللوبي القوي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة.
واختار الرئيس الأميركي استكشاف الإمكانات المتاحة مع نظيره الإيراني الجديد، ولكنه بذلك أثار سخط نتنياهو، وعندما وافق أوباما على المفاوضات المباشرة بشأن القضايا النووية، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي ذلك بأنه «خطأ تاريخي».
وزاد موقف نتنياهو من الإهانة العلنية لأوباما، الذي كان داعماً قوياً لإسرائيل من جوانب شتى حتى هذه المرحلة.
وأظهر قرار أوباما شجاعة سياسية، ولاسيما أنه أثار معارضة قوية داخل أروقة الكونجرس الأميركي، من جانب خصومه في الحزب الجمهوري وحتى من مؤيديه من الحزب الديمقراطي.
وعارض بعض الجمهوريين قرار أوباما التفاوض مع إيران لأنهم يعارضون أي شيء يفعله الرئيس، ولكن بعض الأعضاء الآخرين من الحزبين انتقدوا القرار بسبب الفكرة المتجذرة بعمق بأن طهران كانت دائماً عدائية، وأيضاً بسبب نفوذ اللوبي الإسرائيلي.
وباختصار، يبدو الأمر بالنسبة لأوباما مجازفة سياسية داخلية تتمثل في مواجهة إسرائيل علانية بشأن أمر أعلن نتنياهو أنه جوهري، ويجب على أوباما الآن أن يواجه أصدقاء إسرائيل في الكونجرس لإقناعهم بألا يفشلوا الاتفاق المبدئي.