"نتنياهو الحائر"

بقلم: ناحوم برنياع

‘يقترب التفاوض الذي يجريه وزير الخارجية جون كيري من مرحلته الاخيرة: ففي هذا الاسبوع سيأتي كيري الى المنطقة مؤملا أن يحصل على أجوبة ايجابية عن اتفاق الاطار بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ويرمي الاتفاق اذا أُحرز الى أن يقود الطرفين الى حل واحد وهو السلام ودولة فلسطينية في خطوط 1967.
‘وقد وضع الكثير من ‘اذا’، ‘ربما’ و’مع ذلك’ في الطريق الى الاتفاق، والكثير من التناقضات والغمز والتشويش المتبادل بحيث كف الشارع في اسرائيل وفي الضفة ايضا عن اظهار الاهتمام به. لا يوجد جمهور لكن توجد دراما، والدراما كبيرة حتى لو انتهى المسار الى فشل.

‘إن الامريكيين على يقين أن نتنياهو ترك مقعد المتفرج الى الملعب وأصبح في داخل اللعبة. واذا استعملنا ما اصطُلح عليه في مجال البيسبول وهي اللعبة التي يحبونها فانه موجود بين المحطات: فأصبح متأخرا جدا العودة الى الوراء ومن السابق لأوانه

جدا تحديد هل يبلغ الى المحطة الاخيرة. ونقول بمصطلحات أقل رياضية إن احتمال أن يوافق على اتفاق يقف على 50 بالمئة تقريبا.
‘لا عجب من أن رئيس الوزراء يعاني صداعا في هذه الايام. فهو يواجه قرارا حاسما ثقيل المصير.

‘إن رفاق نتنياهو في الحكومة وفي الكنيست يفسرون أمره بطريقة مختلفة على نحو عام: فهو يحاول في الحاصل أن يكسب وقتا، يقولون. أو لا يهمه سوى عناوين الصحف في الغد، وهو لا يلعب لعبة الاتفاق ايضا بل لعبة الاتهام أو أن غايته الوحيدة هي أن يحط عن كتفيه المسؤولية عن الفشل.

‘لكن من الممكن، من الممكن فقط، أن يكون الاسرائيليون شكاكين جدا، وساخرين جدا وقليلي الايمان. وربما يخطئون ونخطيء فهم نتنياهو.
‘لنبدأ من لعبة الاتهام التي يكثرون جدا الحديث عنها. من المؤسف أن نقول هذا لكن اسرائيل قد خسرت في هذه اللعبة. فالانباء التي نشرت في الايام الاخيرة عن خطط بناء جديدة في المستوطنات ثبتت في وعي العالم ذنب اسرائيل.

ولا أحد يفهم الحكمة في هذه التصريحات: لا العائلات الثكلى التي لا تعزيها خطط البناء في الضفة عن الافراج عن قتلة أعزائها، ولا اليمين في اسرائيل الذي لا يؤمن بأن نتنياهو ينوي تنفيذ الخطط، ولا الاسرائيليون في المركز واليسار الذين لا يفهمون لماذا عوقبوا مرتين بالافراج عن القتلة وبتشويش آخر على التفاوض ايضا.
‘والرد في العالم أقسى. فقد كان يفترض أن يقوي الافراج عن القتلة أبو مازن ومعسكر مؤيدي الاتفاق في الضفة لكن اعلانات البناء لا تقوي سوى حماس والشيء الأساسي أنها تعرض اسرائيل على أنها تُفسد على عمد احتمال احراز اتفاق. ‘يُطمئننا الاسرائيليون بأن الحديث فقط عن خطط للمستقبل’، يقول دبلوماسي اجنبي. ‘لكن الكلب مدفون هنا: لأنه اذا كانت خطتكم البناء في كل هذه الاماكن في المستقبل فلماذا نجري التفاوض؟’.

‘وهذا هو حكم قرار اللجنة الوزارية للتشريع أمس على تبني اقتراح قانون ضم الغور. إن مقترحة الفكرة هي عضو الكنيست ميري ريغف، والمستحث في الحكومة هو الوزير جدعون ساعر. وكلاهما عبد لاعضاء ليكود مركز متطرفين، في خلاف واضح عن مصالح الدولة وحاجاتها. وقد ترك نتنياهو الاقتراح يتطور فقد خشي أن يبدو معتدلا جدا في الاسبوع الذي يفرج فيه عن قتلة. وفي المرحلة التالية، في اقتراع جلسة الحكومة، سيهتم بتعويقه لكن الضرر قد وقع.
‘يعلم نتنياهو أنه قد خسر في لعبة الاتهام، فاذا كان ما زال يريد أن يلعب في الملعب الدولي وأن يحافظ على مكانته في مركز ائتلافه الحكومي وفي داخل التيار المركزي للرأي العام فبقيت له لعبة واحدة فقط هي لعبة الاتفاق.

‘سيقول اتفاق الاطار أن اسرائيل ستُسلم الى الفلسطينيين مساحة من الارض كالمساحة التي خسرتها الاردن في الضفة في حرب الايام الستة. أي جزء من مساحة القدس والضفة سيُستبدل؟ يتحدث الفلسطينيون عن نصف بالمئة لكنهم يعلمون أن الحديث عن أكثر من ذلك. ويتحدث كبار مسؤولي حكومة اسرائيل عن 10 بالمئة وهم يريدون أن يضموا اريئيل وبناتها ومعاليه أدوميم وأن يربطوا كل المستوطنات في غرب الضفة وفي منطقة القدس باسرائيل وأن يضموا الشوارع المؤدية اليها.

‘إن 10 بالمئة هي 600 كم مربع أو أكثر من مساحة مرج ابن عامر، وسيكون من الصعب جدا أن توجد اراض بديلة في اسرائيل لها هذه المساحة إلا اذا أُرغم مواطنون اسرائيليون على اخلاء بيوتهم في داخل الخط الاخضر للتمكين من بقاء مستوطنين في الضفة. تتحدث احدى الافكار عن نقل وادي عارة الى فلسطين، ويرفضها الفلسطينيون رفضا باتا. فهم يفهمون نفوس اخوتهم العرب مواطني اسرائيل: فهم يريحهم أكثر أن يكونوا فلسطينيين في اسرائيل لا في فلسطين. هذا الى أنهم يصرون على حقهم في الحصول على اراض خالية.
‘ونقول باختصار إن تبادل الاراضي غطاء قصير قاس اذا غُطيت به الرجلان برد الرأس واذا غُطي الرأس بردت الرجلان.’يُعلمنا كل ذلك أن قرار الموافقة على الانسحاب الى خطوط 1967 مع تبادل اراض وهو قرار ما زال على الورق الى الآن ليس اجراءا بسيطا. فهو يحتاج الى شجاعة والى استعداد لمواجهة معارضة سياسية قوية قد تكون عنيفة ايضا. وقد تنحل الحكومة وقد ينقسم الليكود. ومن جهة اخرى ستؤيد الأكثرية في الكنيست وربما تؤيد أكثرية الجمهور هذا الاجراء، وكذلك العالم بالطبع. فيستطيع نتنياهو أن يتبوأ منزلته في العالم بل ربما في تاريخ الشعب اليهودي بصفة سياسي عظيم وزعيم.

‘وفي مقابل هذا يقوم ثمن عدم القرار وهو اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية، والقطيعة مع اسرائيل في المجتمع الدولي، والعزلة السياسية وازمة اقتصادية. وهذا عند نتنياهو كما نعرفه اختيار بين الطاعون والكوليرا لكن ربما لا نعرفه بقدر كاف.

‘إن خمسة من أسلافه بيغن ورابين وباراك وشارون واولمرت واجهوا معضلة مشابهة واختاروا البديل السياسي الحمائمي: بيغن مع مصر ورابين في اوسلو وشارون بالانفصال وباراك واولمرت باقتراحين بعيدي المدى للشريك الفلسطيني. ولم يتم انسحابهم في ابتهاج أو حبا للجار العربي بل تم عن معرفة أن مصلحة دولة اسرائيل لا تبدأ ولا تنتهي عند الارض.
‘إن القرار في هذه المرحلة هو قرار نتنياهو فقط، فهو يستطيع أن يسير في طريقهم أو أن يسير في طريق غولدا مئير العمياء المغرورة المنافقة التي انتهت للأسف الشديد الى كارثة يوم الغفران.

حرره: 
م.م