قتل أهالي اليرموك تجويعاً دفاعاً عن قضيتهم
أشارت بعض القنوات من بينها ‘سكاي نيوز′ و ‘إل بي سي’ في تقارير إخبارية قصيرة، لا يكاد المشاهد يلتفت لها حتى تنتهي (قنوات أخرى لم تُشِر أصلاً)، أشارت إلى أن خمسة من الفلسطينيين في مخيم اليرموك قد قضوا جوعاً نتيجة لحصار المخيم الممتد لأشهر طويلة، ونشرت صوراً لبعضهم، ثم انتقلت لمواضيع أخرى بكل خفّة وسلاسة.
مسألة حصار المخيم، الذي يفرضه جيش النظام السوري بمساندة أولية عسكرية من فصائل فلسطينية تابعة هي ‘الجبهة الشعبية – القيادة العامة’ (ميليشيا أحمد جبريل) وتنظيم ‘فتح- الانتفاضة’ وغيرها، ومساندة سياسية من ‘فتح’ و ‘الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين’، مسألة فلسطينية بالأساس، ثم سورية وعربية وإنسانية، أقول فلسطينية لأننا وبرجوعنا إلى اللامبالاة الإعلامية والصحافية – وطبعاً السياسية – الفلسطينية، قد لا نستغرب لامبالاة الإعلام العربي العام بما يحصل في المخيم.
وكالعادة، وكما هي طبيعة مواقع الإعلام الجديد من ‘فيسبوك’ و’تويتر’ وغيره، تنال مواضيع كهذه اهتماماً أشد من خلال نشر لصور وفيديوهات توثّق للحالة، وتكون، كالعادة أيضاً، المصدر والمحرّض للإعلام التلفزيوني كي يتناول المسألة (إن تناول)، إلا أننا ما نزال في أساس المشكلة، وهي لامبالاة القسم الأعظم من الفلسطينيين داخل الوطن بعموم المسألة.
الصور القادمة من ‘اليرموك’ لفلسطينيين يكاد لحمهم يلتصق بعظمهم من شدة الجوع أقل ما يمكن أن يُقال فيها انها مفجعة وصادمة، كأنهم خارجون مع معسكرات اعتقال نازية، صور تدعونا للتفكير بالحالة التعذيبية للمخيم بحصار يمنع الغذاء والدواء عن أهله (يمنعه بكل معنى الكلمة ما أدى ويؤدي للقتل جوعاً)، تدعونا للتفكير بمدى المعاناة التي يصلها هذا الفلسطيني ومدى الألم الذي يجتاح جسده (سِيبكم من الألم النفسي) إلى أن يصل لهيئة هيكل عظمي مكسواً بلحم رقيق، ثم يموت مقتولاً، بعد أن مضى أياما متوجّعاً بجوعه، بعد أن ماتت روحه مراراً لعدم اكتراث معظم أهله في بلده بأمره، بل وتبريرهم ذلك بمحاربة الأسد للمؤامرة الكونية.
أحدهم صرخ بوجه الكاميرا: أرجعونا إلى فلسطين، لا نريد البقاء هنا أكثر. إحداهن صرخت موجهة كلامها لبشار الأسد أن: اضربنا بالكيماوي اقتلنا بسرعة ولا تقتلنا بالذل والتجويع والتعذيب، وهي رسالة إلى العالم قبل أن تكون لبشار. وغيرها من الصرخات الخارجة من بطون فارغة في المخيم دون أن تجد طريقاً لها عبر التلفزيونات العربية إلا بتقارير قصيرة ومختصرة وعرض خجول للصور، دون تغطيات أوسع تسمح بنقل قضيتهم إلى الرأي العام العربي قبل العالمي، أو لأقُل الفلسطيني في الداخل المنشغل بأعياد الميلاد ورأس السنة!
الكثير من الفلسطينيين داخل البلاد ممن ‘فزعوا’ لزياد الرحباني وحسن نصرالله لا يكترثون الآن لأمر من يقضي جوعاً من الفلسطينيين في ‘اليرموك’، متهرّبين من حقيقة أن صاحبهم الأسد يقتل أبناء بلدهم، من كانوا جيرانهم يوماً، قبل النكبة، ومن فجروا الثورة الفلسطينية ومن عانوا من المجازر والعنصرية والذل على مدى أكثر من ستين عاماً، ومن حافظوا على الحق بالعودة ويطالبون به بشدة وإصرار أعظم اليوم بعد الذل والتجويع والحصار من قبل نظام يفعل ذلك نصرة لفلسطين! نظام لا يبخل على الفلسطينيين من أدوات وأساليب القتل كما لا يبخل على السوريين تماماً.
كيف لي أن ألوم العرب وإعلامهم، والفلسطينيون في الضفة وغزة والـ 48 منشغلون بهمومهم ‘المحلية’ دون أي التفات لأهلهم في ‘اليرموك’ أو أي اكتراث بصراخ الصبية التي نادت بأن يتم قتل أهالي المخيم بالكيماوي كونه قتلاً سريعاً أولاً، ولا يذل قتيله ثانياً.
كيف لي أن ألوم أحداً وأهلنا في الداخل الفلسطيني ما زالوا يكتبون في الصحف والـ’فيسبوك’ مدافعين عن الرحباني ونصرالله والأسد متصدين لمؤامرة كونية على النظام السوري الذي يواجهها بقتل السوريين بالبراميل وقتل الفلسطيني بالتجويع، من بين أساليبه العديدة للقتل.
انفعال العديد من الفلسطينيين في كل ما يخص النظام السوري ودفاعهم غير المبرر عنه بما يسمونه صموداً ضد الامبريالية، لا يقابله أي تضامن لهم مع فلسطينيين آخرين يحاصرهم هذا النظام ويقتلهم جوعاً.
هؤلاء المنفعلون لا يجدون مبرراً لانفعالهم أو تضامنهم مع أهلهم في ‘اليرموك’ طالما أن القاتل هو الأسد وجيشه وشبيحته، وإن كان لا بد من سبب مقنع لهؤلاء كي يتضامنوا مع فلسطينيي سوريا و’اليرموك’، ليعتبروا بينهم وبين أنفسهم أن قاتلهم هو أبو محمد الجولاني، أو أنا، إن كانت حقيقة أن نظام الأسد هو قاتلهم تحول دون تضامنهم مع القتيل الفلسطيني.
بأي حق سألوم الإعلام العربي لعدم اكتراثه بمأساة أهالي اليرموك في الوقت الذي لم يكترث فيه قسم كبير من أهلنا في فلسطين بالأمر؟!