لن يحكمنا الفلسطينيون

بقلم: الياكيم هعتسني
من يرفض رفضا باتا فكرة جعل أقاليم من بلاد اسرائيل الغربية دولة غريبة، يجد صعوبة في أن يبحث في فكرة ابقاء مواطنين يهود كأقلية. ومع ذلك، فان الفكرة كبحث نظري تبعث على التحدي.
ثلاثة اشارات ضوئية كانت على الطريق لدولة اسرائيل: تصريح بلفور (1917)، مؤتمر سان ريمو (1920) والانتداب على بلاد اسرائيل من عصبة الامم (1922). وفيها جميعها وعدت البلاد للشعب اليهودي. المادة 80 من ميثاق الامم المتحدة وعدت هي ايضا بحفظ الحقوق صراحة في صالح ‘الشعوب’، وبنية مقصوده للشعب اليهودي. هذه الحقوق هي ‘الاعتراف بالصلة التاريخية للشعب اليهودي ببلاد اسرائيل وبالمبدأ الاساس لاقامة وطنه القومي من جديد في هذه البلاد’، الهجرة الجماعية والاستيطان المكثف. وهما ينطبقان على جانبي الخط الاخضر وممنوحان مباشرة للشعب اليهودي.
حسب خطة ‘الدولتين’، يفترض بدولة اسرائيل، خدمة لمصالح مواطنيها ان تقيم لشعب اجنبي دولة على أراض تنزع من الشعب اليهودي.
وذلك رغم ان الحكومة واعية لان صاحب الحقوق هو الشعب اليهودي، والدليل على ذلك القرار في يوم 2/12/12 ردا على قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة منح الفلسطينيين مكانة دولة: ‘للشعب اليهودي حق طبيعي، تاريخي وقانوني في وطنه وعاصمته الخالدة، القدس… لدولة اسرائيل كدولة الشعب اليهودي حق ومطالبة بالمناطق التي مكانتها موضع خلاف في بلاد اسرائيل… ليس في قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة ما ينتقص من اي حقوق لدولة اسرائيل والشعب اليهودي في بلاد اسرائيل’.
ويطرح السؤال: وهل لدولة اسرائيل يوجد حق في ان تنتقص من حقوق الشعب اليهودي على قلب البلاد؟ السؤال لم يطرح طالما عملت الدولة حصريا في صالح الشعب اليهودي، كوصية عليه. أما الان، حين جاءت لان تأخذ اجزاء من بلاده، فهل هذا الفعل يلزم الشعب اليهودي؟ الجواب سيعطيه اليهود الذين سيبقون في تلك الاماكن بمثابة ابناء ‘الشعب اليهودي’، الذي سيبقى صاحب الحقوق حتى بعد أن تكف الدولة عن تمثيله في هذه الاقاليم.
لهذا الوضع الجديد يوجد أثران. مبدئيا، حكومة تتنكر لاحتكار التمثيل الحصري للشعب اليهودي في اجزاء معينة من بلاد اسرائيل لا يعود بوسعها ان تظهر كـ ‘دولة الشعب اليهودي’. وهي، بكلتي يديها، خلقت واقعا جديدا. صلة يهودية مباشرة بالبلاد خارج نطاق حكمها. جالية يهودية في بلاد اسرائيل تحت حكم اجنبي ستتصرف تجاه الجاليات اليهودية في المنفى وفي دولة اسرائيل كجسم مستقل: فقد فصلت رغم انفها عن جسم الدولة، ولكنها بقيت متمسكة ببلادها.
على المستوى العملي ستقف الدولة امام خيار صعب: فهل على حد توصية احيتوبل اليسار المتطرف تنهض وتذهب وتبقي المستوطنين لمصيرهم؛ ام تتحمل المسؤولية عن مواطنيها، وفي كل اتفاق يوقع ضمان حياتهم وحقوقهم؟ في الحالة الاولى، السيناريو معروف: اليهود سيضطهدون والدولة الملتزمة بالسيادة الفلسطينية لن تتمكن من انقاذهم. وستكون أعمال قتل ولعل اليهود سيردون النار ايضا، وعندها مشكوك أن تصمد الحكومة وربما الجيش الاسرائيلي ايضا سيجتذب الى الميدان، وعندها… باي باي للسلام. من اجل منع حمام دماء وتفجير السلام، ستضطر الحكومة الى أن تدخل الى الاتفاق تواجد عسكري للجيش الاسرائيلي في البلدات وفي المواقع المشرفة وضمان الحركة الحرة في الطرق المؤدي الى مئات النقاط ومنها (‘لن يخلى اي مستوطن’، وعد رئيس الوزراء). فهل سيقبل الفلسطينيون هذا؟ وهل احد آخر كان سيقبل؟
لعناية اولئك الذين لا يزالون يفكرون بتعابير المقاومة، كهذه او تلك، لـ ‘الاخلاء’: قواعد اللعب تغيرت. فالبقاء على الارض هو الرد، وهو الذي يثبت بان تقسيم البلاد لم يعد ممكنا.