لن تنجح في ذلك يا بيبي

بقلم: عوزي برعام
الاستيلاء على سفينة السلاح في عرض البحر ليس عمل قرصنة. فمن المباح لدولة أن تخطو خطوات للدفاع عن نفسها. ولا شك في أنه لو وصل السلاح الذي كانت تنقله كلوز سي الى غزة لأوقع ضحايا في الجبهة الداخلية الاسرائيلية وضحايا أكثر من سكان القطاع. وانقض بنيامين نتنياهو على الحادثة كأنه وجد غنيمة كبيرة وأمر بعرض دعاية تظاهري كانت ذروته اعلان رئيس الوزراء نفسه بأن ايران تستطيع في المستقبل أن تنقل في السفن حقائب ذرية وترسلها الى كل ميناء في العالم.
لكن عمل الاخراج الضخم قابله عدم اكتراث دولي. وحاول المحللون أن يُبينوا أن القضية نُحيت بسبب الازمة في اوكرانيا واختفاء الطائرة الماليزية. وهذا تفسير غير كاف فالاعلام الدولي يستطيع أن يحتوي اربع قضايا أو خمسا مثيرة بصورة موازية. ولم يفشل نتنياهو لا لأنه لم تكن له ‘قضية’ بل بسبب الصورة التي نشأت لاسرائيل في العالم. فهم لا يشترون شيئا من دولة محتلة مستوطنة؛ ولا تبدو أية دعوى بريئة وموضوعية حينما تأتي ممن يعتدي على القوانين الدولية.
إن يدي اسرائيل مكبلتان لأنها اذا خرجت في معركة عسكرية على التهديد من غزة فستضطر الى أن تواجه دعاوى دولية متزايدة عن الحصار الطويل المضروب على القطاع. فينبغي أن ندرك أننا لا نبدو كما نرغب أن نبدو بل نُرى بصورة سيئة.
التقيت قبل بضعة اشهر مع شخص ذا منصب رفيع جدا كان مشاركا في حيرة هل نهاجم ايران. وزعم أنه ليس من الممكن أن يُتخذ هذا القرار دون محادثة دول عربية تعارض برامج ايران الذرية، لكن هذه المحادثة غير ممكنة دون مرونة كبيرة في مفاوضة الفلسطينيين. وقال إن ‘شق طريق فقط قد يفضي الى تغيير الجو في الشرق الاوسط والى شراكة مبدئية بين اجزاء من العالم العربي ودولة اسرائيل’. وقال إنه قال لواحد من اصحاب القرار السياسي: ‘اذا كنت تسعى الى الهجوم على ايران فاعلم أنه يجب عليك أن تلزم المعايير السياسية لزهافا غلئون’. وليس ذلك الرجل من مؤيدي ميرتس أو حزب العمل، فان التحليل العقلاني للخيارات التي تواجهنا هو الذي فرض عليه هذه الرؤية السياسية.
وفي كل ما يتعلق ايضا بطلب أن يعترف الفلسطينيون بأن اسرائيل دولة يهودية (وهو طلب لم نطلبه قط من أي أحد آخر شرطا مسبقا لتسوية)، نلقى المشكلة نفسها ألا وهي صورة الطالب. ولما كانت أجزاء واسعة من الرأي العام الدولي والاسرائيلي تعتقد أن اسرائيل لا تريد التوصل الى تسوية لأن نتنياهو وحزبه وأكثر حكومته يعارضون كل مصالحة حقيقية فانه يبدو أن طلب رئيس الوزراء في شأن الدولة اليهودية هو جزء من رفضه المبدئي. ولا شك عندي في أن اسرائيل ما كانت لتتوصل الى تسوية سلمية مع مصر والاردن لو طُلب اليهما هذا الاعتراف المبدئي.
قد يكون نتنياهو يعمل بصورة منهجية في احباط كل تسوية. فاذا كان هذا موقفه وارادته فان نجاحه هش الى الآن. إن حكومته اصبحت اكثر عزلة في العالم لكن لم تتم أية خطوة حقيقية. والمشكلة هي أن هذه السياسة تناقض مصالح اسرائيل الوجودية وحينما نتأكد من ذلك سيكون الوقت متأخرا كثيرا ولن نستطيع بعد ذلك احراز اتفاق سلام بشروط يقبلها العقل.
هآرتس