لا تخافوا من المؤسسات الدولية

إيلي أفيدار
عادة جديدة تثبتت في اسرائيل: الامم المتحدة، المحكمة الدولية، لجان حقوق الانسان – كلها تعتبر اليوم مهددة لسلامتنا ووجودنا. مؤسسات ينبغي مقاطعتها وتجاهلها، منع دخول رجالها إلى البلاد، إخفاء الوثائق عنهم ومنعهم من الوصول إلى الممثلين الرسميين.
بعد أن رفضت التعاون مع لجنة غولدستون التي شكلها مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان لفحص سلوك الجيش الاسرائيلي في حملة «الرصاص المصبوب»، تقاطع اسرائيل الآن لجنة شابس التي عُينت لفحص حملة «الجرف الصامد». وفي الهواء يحوم ايضا التهديد الفلسطيني بـ «سلاح يوم الدين»: رفع دعاوى ضد ضباط كبار، سياسيين ووزراء اسرائيليين في المحكمة الدولية في لاهاي.
ظاهرا، المخاوف مبررة. مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة هو هيئة غريبة تضم في عضويتها ديمقراطيات متنورة كإيران، كوبا، الكويت وليبيا. ومنذ تشكل في 2006، نشر المجلس نحو خمسين بيان تنديد باسرائيل – نصف عدد التنديدات لباقي العالم. وليام شابس نفسه تحدث ضد اسرائيل ودعا إلى تقديم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى المحاكمة. وبالتالي ما الذي يوجد لنا لنبحث عنه في هذه الساحة؟.
غير أن نهجا كهذا لن يوقف الاجراءات الدولية، بل سيتركها فقط سائبة في أيدي الجهات الاكثر عداءً، مثلما حصل مع تقرير غولدستون الذي ألحق باسرائيل ضررا شديدا. «كان بوسعي أن أتناول وأن أبحث فقط في المواد التي وضعت أمامي»، قال القاضي ريتشارد غولدستون عن عمل اللجنة برئاسته. ومثل النكتة عن اليهودي الذي يصلي لينال الجائزة في اليانصيب، ولكنه لا يشتري أبدا ورقة يانصيب، لا يمكن لاسرائيل أن تأمل بنتيجة ايجابية حين تكون كل المواد التي وضعت أمام اللجنة جاءت من الطرف الآخر. في نظرة إلى الوراء تراجع غولدستون عن قسم مما كتبه في التقرير، ويمكن التخمين بأن عرض الحقائق مسبقا كان سيحقق نتائج أكثر راحة من ناحيتنا.
يعرف رجال القانون والدبلوماسيون الخبراء دوما كيف يميل لصالحهم تحقيقات واجراءات قانونية مركبة، أو على الأقل ليجعلوا صعبا استخدامها ضد بلادهم. مثال على ذلك يمكن أن نراه في ليبيا معمر القذافي، بعد تفجير طائرة «بان إم» فوق مدينة لوكربي في اسكتلندة. خلافا لاسرائيل الديمقراطية، التي تكافح في سبيل وجودها وتفعل كل شيء كي تمتنع عن المس بالأبرياء، كان تفجير الطائرة فعلا ارهابيا تم على أيدي مبعوثي دولة عاقة – ومع ذلك نجح الليبيون في أن يُفرغوا من محتواها العقوبات التي فرضت عليهم.
وكانت الاستراتيجية التي اتخذوها استراتيجية قتال قانوني – بيروقراطي. فقد ادعوا بأن العقوبات التي فرضت قبل استنفاد التحقيق، شككت بصلاحية القوى العظمى الغربية في محاكمة مواطنين ليبيين، بل وجروا بريطانيا والولايات المتحدة إلى محكمة العدل الدولية. وفي نهاية المطاف وافق الامريكيون والبريطانيون على حل وسط رفضوه في بداية الطريق: مشبوهان فقط سُلموا إلى محكمة اسكتلندية اجتمعت في هولندة وسُمح لها بأن تعنى فقط بالمسؤولية الشخصية للرجلين، وحُظر على المحققين أن يسألوهما عن مسؤوليهما الليبيين أو عن دور النظام في العملية.
أما اسرائيل فهي ديمقراطية ذات عالم من القيم الغربية، تكافح في سبيل حماية مواطنيها. وقد عمل الجيش الاسرائيلي في «الجرف الصامد» وفقا لتعليمات مستشاريه القانونيين، وفي ظل توثيق كل الاجراءات العسكرية. ولن تكون لاسرائيل أي مشكلة في مواجهة كل هيئة تحقيق. عمليا، في أيديها الأدوات لأن تُجلس حماس على مقعد الاتهام.
على حكومة اسرائيل أن تتصدى لادعاءات الأسرة الدولية كلاعبة نشطة. عليها أن تستخدم مبررات اجرائية مع عمل جوهري يقوم على المواد المتنوعة التي في أيدينا. أما ادارة الظهر للعالم فلن توقف التحقيق ولا التقرير، وستبقي فقط منظمات الارهاب ناطقة وحيدة في قصور القانون الدولية. في مثل هذه اللعبة، حقا لا يمكن الانتصار.
هآرتس