تجميد أموال الفلسطينيين

تسفي برئيل

إن النصف مليار شيكل التي تم تجميد نقلها إلى السلطة الفلسطينية هي أقل من المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية كرواتب شهرية للعاملين بها. ومن هنا ايضا تأتي الخشية من أن تضطر السلطة الفلسطينية إلى تأجيل دفع الرواتب حتى ايجاد حل آخر لهذه المشكلة. ومن نافل القول أن أحد الاسباب المركزية للاحتجاج في غزة قبل عملية «الجرف الصامد» التي زادت شهوة انفعالات حماس في مهاجمة اسرائيل، حيث سبق ذلك منع فرضته اسرائيل على تحويل اموال الرواتب من السلطة وقطر إلى حكومة حماس في غزة.
وبذلك فان كل عقوبة تُفرض على السلطة الفلسطينية ستتحول إلى حربة ضد اسرائيل.
ولكن من المشكوك فيه ما اذا كانت السلطة الفلسطينية التي توقعت أن تمس اسرائيل مداخيلها في أعقاب انضمامها إلى المحكمة الدولية، فليس من المستبعد أن تقوم برد فعل عنيف في أعقاب هذا العقاب. وفي المقابل يوجد للسلطة الفلسطينية، على الأقل على الورق، مصادر دعم بديلة. فالسعودية مثلا تبرعت في السنة الماضية بمبلغ 20 مليون دولار في الشهر كمساعدة لتغطية العجز الشامل للسلطة الفلسطينية.
وحول صندوق النقد الدولي في نهاية شهر كانون الاول مبلغ 31.6 مليون دولار، وفي خلفية هذه الاحداث توجد لدى السلطة تعهدات من الجامعة العربية لتحويل نحوا من 100 مليون دولار للسلطة في حالة وجود حصار اقتصادي اسرائيلي.
والسؤال الأكثر أهمية هو هل ستحول الادارة الامريكية إلى السلطة الفلسطينية مبلغ 400 مليون دولار والتي هي مشروطة بامتناع السلطة الفلسطينية عن التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية. وهذه مبالغ ذات قيمة بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي بلغت ميزانيتها السنوية في عام 2014، 4.2 مليار دولار. والتي كان 1.2 مليار منها كمساعدات خارجية.
ومن الجانب الآخر فان السعودية ودولة اتحاد الامارات والكويت قد حولت في السنة الماضية مبلغ 11 مليار دولار لمصر وهي عبارة عن ضعفين ونصف ميزانية السلطة وسبعة اضعاف الدعم السنوي الامريكي لمصر. واذا قرروا في دول الخليج بأن النضال السياسي الفلسطيني جدير بالدعم فلن تكون لديهم مشكلة في تغطية العجز المالي للسلطة الفلسطينية بما في ذلك المبلغ المجمد. ويمكن التقدير ايضا أن جزءً من الدول الاوروبية مثل النرويج والدانمارك والسويد الذين اعترفوا بالدولة الفلسطينية سيهبوا لدعم السلطة اذا تبين أن اسرائيل مستمرة في خرق اتفاقات باريس من عام 1994، وأنها لا تحول أموال الضرائب. وإن دعم عربي ودولي كهذا سيُفرغ العقوبات الاسرائيلية من مضمونها. كما أن خرق اتفاق كهذا سيكون سببا للمطالبة.
اضافة إلى ذلك، اذا قررت الدول العربية واوروبا اقتلاع العقوبات الاسرائيلية فستجد اسرائيل نفسها في مسار تصادمي آخر مع الدول الاوروبية، التي تعتبر معادية بسبب دعمها واعترافها بالدولة الفلسطينية. والمفارقة هي أنه عندما تجمد اسرائيل تحويل الاموال تتواصل التجارة بين اسرائيل والضفة الغربية بالعمل كالمعتاد. فالضفة الغربية تستورد من اسرائيل 72 بالمئة من سلعها الاستهلاكية، أي أنها تشتري حوالي 2.75 مليار دولار في السنة من اسرائيل وتصدر اليها حوالي 750 مليون دولار.
وبذلك فان المنتجين ومقدمي الخدمات الاسرائيليين يستمتعون بالسوق الفلسطينية بحجم كبير كهذا، أي حوالي ثلاثة أضعاف مما يستمتع به الفلسطينيون من السوق الاسرائيلية. وبذلك فانه لا زالت بيد السلطة الفلسطينية روافع ليست قليلة لتضغط بها على الصناعيين الاسرائيليين، بل ولتفرض عليهم عقوبات ردا على العقوبات التي فرضتها اسرائيل على السلطة.
ولكن زيادة على الاعتبارات التجارية فالعجب هو أنه ماذا ستحقق اسرائيل من خطوات غير قانونية كهذه؟ لا سيما أن مثل هذه الخطوات قد جربت في الماضي، مرة في 2012 عندما توجهت السلطة إلى الجمعية العمومية وحظيت بالاعتراف كدولة غير عضو، ومرة اخرى في 2011 كعقاب على اتفاق المصالحة مع حماس. وفي الحالتين لم تتسبب هذه العقوبات في تغيير سياسات السلطة الفلسطينية. والآن سيكون ذلك خطأ كبيرا توقع تراجع السلطة الفلسطينية التي تبنت استراتيجية النضال الدبلوماسي بدل الكفاح المسلح.

هآرتس

حرره: 
م . ع
كلمات دلالية: