أرض الكهوف، "سيدة الأرض"
أصدق الصديق حسين البرغوثي. قال في رائعته "الضوء الأزرق" إن فلسطين هي "أرض الكهوف". قال الذي قدّم لكتابه، محمود درويش، إن فلسطين هي "سيدة الأرض". في الروايات التاريخية المعتمدة ان السيد المسيح ولد في "كهف" وفوق الكهف بنوا "كنيسة المهد". في الروايات الواقعية إن اللاجئ الفلسطيني اسحاق، من خط الساحل زمن النكبة الى خط الجبل، ولد في كهف قرب بلدة ترقوميا، وصار جراح دماغ مرموقاً (كهف الجسد)، فإلى الولد النازح للضفة الشرقية بعد النكسة، فإلى أن استعارته بلاده فلسطين من الأردن لإجراء عمليات في الدماغ. وأنا اللاجئ من سفوح الكرمل، غزير المغر، أصدق حسين البرغوثي، وأصدق محمود درويش..
وبالطبع، أصدق صديقي جراح الدماغ اسحاق، مولود المغارة كما الفدائي الفلسطيني الأول، السيد المسيح.. هذا إن لم يكن سبارتاكوس فلسطينياً. شروط طبوغرافية وراء "أرض الكهوف" و"سيدة الأرض" والشروط الطبوغرافية أساسها شروط جيولوجية، جعلت صخور الارض المقدسة منطبقة عمودياً، كأنها صفحات كتب متراصة فوق بعضها البعض، خلافاً للطبقات الالتوائية، الجوراسية منها والالبية في سورية ولبنان. (مع الاحترام لكهوف لبنان، وبخاصة كهف - مغارة قاديشا).
لي اعتراض على اختزال الناس عبارة درويش "على هذه الأرض / سيدة الأرض / ما يستحق الحياة" وحذف عبارة "سيدة الأرض".
بلادنا هي، فعلاً "سيدة الأرض" لا باعتبارها، فقط، مهداً للديانات السماوية، بل لأنها "أرض الكهوف". كهف ولد فيه السيد المسيح، وصار مولده تأريخاً للتاريخ (ق.م / ب.م) وكهف ولد به اسحاق. على سفوح الكرمل معجزتان فلسطينيتان. الأولى أن الانسان الاول دجّن نبات القمح (اعطنا خبزنا كفاف يومنا) وأن الجدان - الانسانان، انسان نياندرثال والانسان المنتصب (هومو-سابين) تقاتلا في غير مكان .. إلا في سفوح وكهوف "الكرمل" حين تعايشا بسلام، الى أن غلب الانسان المنتصب في ذريته انسان نياندرثال، لأسباب بيولوجية محضة. كان انسان نياندرثال نباتياً غالباً، وكان محني الظهر، قصير القامة.. بينما كان انسان "هومو-سابين" منتصب القامة تقريباً، وطويلاً نسبياً (اسطورة "العماليق" الفلسطينيين في الرواية التوراتية؟) ولاحماً ايضاً، وكان يستطيع ممارسة الجماع مع النساء وجهاً لوجه، او وجهاً لظهر، بينما كان "نياندرثال" الاكثر ذكاء يجامع النساء صدراً لظهر.. ومن ثم، وبالاصطفاء الطبيعي تفوق الانسان المنتصب على انسان نياندرثال. هذه خلفية قرار مزدوج لمنظمة "اليونسكو" بإدراج كنيسة بنيت فوق مهد في لائحة التراث البشري، ولقداستها ايضا.. وقرار موازن هو ضم "كهف الإنسان الأول" او كهوف الكرمل الى قائمة التراث الطبيعي البشري، كسابع موقع في ما يدعى الآن، اسرائيل.
في تصنيف "اليونسكو" هناك لائحة بالمعمار البشري، مثل الكنيسة والأهرامات وخزائن البتراء التي قدّت في الصخر، وهناك لائحة بأعاجيب الطبيعة، والغاية من اللائحتين حفظهما من التبدد والتدمير. غداً، السبت، يحتفلون بأول موقع في "سيدة الأرض" يدخل اللائحة الأولى، ويعني هذا ان تتحمل "اليونسكو" إطلاق ترميم سقف الكنيسة لأول مرة منذ ١٣٠٠ سنة، وكانت دول العالم شاركت في إنقاذ مدينة المهد من التآكل بتمويل "بيت لحم ٢٠٠٠"، بما في ذلك "ساحة المهد" حيث أزاحت السلطة الوطنية معتقلاً اسرائيلياً مسيجاً بالأسلاك الشائكة قبالة كنيسة المهد، هل أبشع من سجن في ساحة الكنيسة؟
من يعرف الضفة يعرف ان حجم أحجار المدرجات الزراعية على سفوح تلالها يزيد اضعافاً مضاعفة عن حجم حجارة الأهرامات .. ومن ثم تستعد فلسطين لحماية "شرفات بتير" بإدخالها في اللائحة الثانية، حماية لها من "جدار فصل" غاشم تنوي اسرائيل إقامته هناك. "على هذه الأرض / سيدة الأرض / ما يستحق الحياة".