المجندون الشهداء في سورية

يعرف الفلسطينيون في سورية، أكثر مما تعرف الفصائل المكاثة هناك؛ من هو الطرف الذي يقتل أبناءنا، منذ أول شهيد في جوار ـ وليس في خضم ـ ثورة السوريين، حتى رهط الأبناء المجندين، الذين قتلوا ببشاعة، فيما هم ذاهبون الى بيوتهم. وربما تكون الفصائل متأكدة من الطرف القاتل، لكنها تتجاهل مضطرة، لكي لا يختص السفاحون جموع الفلسطينيين، بمجازر في أماكن تواجدهم الكثيف، إن تفجر غضبهم. غير أن جماهير شعبنا التي تعرف جلاديها بالسليقة، وتعلم بفطرتها كيف تكون حروب الفتن؛ أدركت من هو الطرف القاتل، فجاهرت بما تعرف، حزينة وغاضبة، فكان ثمن المجاهرة ثلاثة شهداء في مخيم "اليرموك"!

في حرب الفتن، يسعى كل طرف الى استعداء مجاميع بشرية، ضد طرف آخر، فيقتل منها لكي تقف معه، ظناً منها أن القاتل هو الطرف الآخر. لكننا، أمام الحدث الفاجع، لا يسعنا إلا تكرار القول، إن الفلسطيني في سورية، ليس معنياً بشكل الحكم في البلاد، وإن كانت الديموقرطية وانكسار قبضة الاستبداد الممسكة برقاب السوريين، وزوال السحنات الحاكمة الفاجرة عن المشهد السوري؛ ستوفر للفلسطينيين الحالمين بالعودة الى وطنهم، مثلما توفر للسوريين، حياة كريمة ومحترمة. فالمساكنة أخت المواطنة! * * * في مخيم اليرموك، هناك حفنة قليلة من المخبرين، تتلطى بالثورة الفلسطينية وبالفصائلية و"الممانعة". وهذه ليست إلا في موضع سخرية الفلسطينين. وعلى الرغم من ذلك، يدرك الفلسطينيون في سورية، خطورة الانخراط في الصراع، إن لم يكن لأنهم يحبون البلد والشعب الشقيق بكل أطيافه، فليكن لأن الصراع ـ مثلما يريده الحاكمون ـ ما زال يدمر البلاد ويقتل عباد الله الأبرياء، وهذا مسيء لمشاعر كل إنسان سويْ. ولدى شعبنا المجروح، حساسية شديدة من القتل المجاني. فأكثر من يشعر بالضحية وبالمظلوم، هم الضحايا والمظلومون الآخرون.

ونحن، من موقع التعاطف مع ثورة الشعب السوري، نرفض القتل على الهوية الطائفية، ونستفظع قتل الأبرياء، أياً كان الذي يقتل في غير موقف الدفاع عن النفس، فما بالنا عندما يكون القتل ذبحاً بشعاً بالسكاكين. ومثلما ندين بأقسى عبارات الإدانة، قصف الطغمة الحاكمة للآمنين، بالأسلحة الثقيلة، واجتياح "الشبيحة" لمهاجع نوم الأبرياء وذبحهم؛ فإننا ندين كل ردود الأفعال الخرقاء الآثمة، التي تقتل إنساناً على هويته الطائفية أو حتى على رأيه وانتمائه. فلا ننسى أن أكثر من أربعين عاماً سلخها النظام في الحكم، لم يعرف خلالها 60% من السوريين حكماً سواه؛ من شأنها أن تنشىء شرائح مؤيدين أو معتادين على وجود النظام، أو متوهمين بأنه صنو الاستقرار وأن بقاءه هو من طبائع الأمور! ربما يكون ذوبان اللاجيء الفلسطيني في الحياة الاجتماعية ـ الاقتصادية للشعب السوري؛ هو الذي يجعل من الصعب على طرفي الصراع أن يصدقا بأن الفلسطيني محايد. ذلك على الرغم من أن الأجيال الفلسطينية الفتيّة، نشأت وترعرعت في ظل مجتمع أراد له النظام أن يكون مسكوناً بهواجس التصنيف الجهوي والطائفي، وظل الفلسطيني في كنفه يسمع في كل يوم ما يُذكره بأنه فلسطيني، بعد أن ولى الزمن، الذي كان فيه الحكم حانياً ومشبعاً بروح قومية حقيقية! نحتسب أبناءنا المجندين، ضحايا الغدر في سورية، شهداء على طريق حرية فلسطين وحرية السوريين، ووحدة بلدهم واستقرارها بعد انعتاقها!

www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com