الشعب يريد الانتخابات
رغم ما أظهرته الشعوب العربية حتى الآن من استعداد عال للتضحية في سبيل الديمقراطية، إلا أنها تفتقر عملياً لثقافة الديمقراطية، بل وتفتقد ممارستها في كافة المجالات، وفي المقدمة بالطبع المجال السياسي، وعلى صعيد الحكم، وربما كان ذلك دافعاً لها، أي للشعوب العربية حتى تبدي كل هذا الاستعداد من التضحية من اجل تغيير نظام الحكم القائم على أساس الاستبداد.
بعد أن تقيم الشعوب العربية أنظمتها الديمقراطية لن تكون بحاجة الى إحداث ثورات، حتى تسقط الأنظمة، بل يكفي حينها الذهاب لصناديق الاقتراع، وتغيير الحكومات، ولن تكون شعوبنا بحاجة الى ان تراكم الغضب، حتى يصل الى لحظة الانفجار، وسقوط الضحايا بالمئات والآلاف وتدمير الاقتصاد، والى ما هنالك.
الشعب الفلسطيني، رغم تقدمه على الصعيد العربي، في شق طريق الكفاح الوطني، وممارسة المقاومة، ورغم التعدد السياسي الذي أنجزه على مدار العقود الماضية، إلا أن ممارسته للديمقراطية، إن كانت تلك الممارسة داخل الفصائل، أو على المستوى الشعبي، بقيت محدودة، وبالكاد تنحصر في ممارسة الانتخابات الحزبية، والنقابية، ثم العامة في مناسبتين منذ تأسيس السلطة قبل نحو عقدين من السنين.
وظل مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القضاء ضعيفاً، وحين واجه استحقاق تداول السلطة، وقعت "الكارثة" متمثلة بالانقسام! ثم تعطل عمل المؤسسة التشريعية، وكل مظاهر الديمقراطية العامة، بما في ذلك الانتخابات المحلية، والآن تفتقد الشرعيات السياسية التي تقود الشعب الفلسطيني إلى الوجاهة القانونية بحكم انتهاء مدتها، حيث انه قد مر على الانتخابات الرئاسية والتشريعية أكثر من عامين ونصف على موعد إجرائها!
كان يمكن للديمقراطية الفلسطينية، أن تضفي على حركة التحرر فاعلية أعلى تقربها من لحظة الانتصار وتحقيق هدف التحرر والاستقلال، لكن "توافق" القوى السياسية، وافتقار الشعب الى الممارسة الديمقراطية الحقة التي تؤكد سلطة الشعب، حال دون أن يقبض على مفتاح قوته الذاتية.
لعل نماذج التأكيد على افتقاد دوائر القرار الوطني للديمقراطية تكاد تعد ولا تحصى، ففي معرض دفاع الناطقين باسم "حماس"، الأسبوع الماضي، عن "حق" اسماعيل هنية، رئيس حكومة غزة المقالة، في المشاركة بقمة طهران، أشاروا الى أنه رئيس الحكومة المنتخبة! وفي ذلك منطق يدل على سذاجة سياسية، من حيث انه، أولاً، ليس هناك شيء اسمه حكومة منتخبة، فالشعب انتخب عام 2006 نواباً له، أعضاء المجلس التشريعي، في ظل نظام رئاسي، انتخب ضمنه أيضاً رئيس السلطة، الذي من ضمن صلاحياته ان يكلف رئيس الحكومة وان يقيله، لذا لا يستوي المنطق الديمقراطي واجتزاء الأمور، فها هو الرئيس المصري، المنتخب يكلف رئيساً للحكومة ويمكن أن يقيله غداً، دون أن يصادق مجلس الشعب المصري، المنحل بموجب قرار قضائي، على الحكومة المصرية الجديدة، والأهم هو السؤال المتعلق بالحالة الفلسطينية وإلى متى يظل الحال هكذا؟!
"فتح" والرئيس أبو مازن طالبا بالانتخابات الرئاسية والعامة، باعتبارها حلاً للانقسام، وفيصلاً لحسم الخلاف ومحاولة لتوحيد الرأس القيادي، مع أن نتيجة الانتخابات يمكن أن تفضي إلى شراكة جديدة بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية: "فتح" و"حماس". لم يعل الصوت بعد من قبل أحد للقول إن الشرعيات القيادية الفلسطينية تحتاج الى تجديد الثقة الشعبية، وإنها الآن منتهية الصلاحية، وان الرئيس الفتحاوي والمجلس التشريعي الحمساوي، غير مكتملي الشرعية، بحكم انتهاء شرط التعاقد الشعبي، الذي كان مشروطاً بمدة الأربع سنوات والتي انتهت في كانون الثاني من العام 2010.
وعلى ضوء ذلك فان "فتح" و"حماس" تحكمان الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، دون وجه حق، وان الشعب يمكنه الآن أن يخرج مطالباً بإجراء الانتخابات لأنها حق له و ليس كإجراء لإنهاء الانقسام، وان الشعب في غزة، إذا ما فكرت "حماس" في دفعه ليكون "كياناً" عليها أن تواجه فوراً استحقاق إجراء انتخابات داخلية فيه، تحدد مستقبل حكمها، كذلك لابد من التفكير في كيفية إجراء الانتخابات العامة في كل من الضفة وغزة، عبر آليات خلاقة تتجاوز وتنتصر على جبروت التعطيل الاحتلالي والداخلي، وان الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع يمكنه أن يخرج للشارع الآن على طريقة الربيع العربي رافعاً شعار "الشعب يريد الانتخابات لتجديد الشرعيات".
وقد يكون ذلك مدخلاً إجبارياً لحركة التحرر الوطني ذاتها، حيث اتضح من الدرس العربي بأن أنظمة استبدادية قد أضعفت الوضع الداخلي، وأفقدت الشعب قدرته على مقاومة العدو الخارجي، من خلال نظام حكم الفرد الذي عطل الطاقات الشعبية، وان كل شعارات المقاومة في ظل حكم الفرد المستبد لم تكن إلا شعارات جوفاء، وحتى ثبت في نموذج سورية، مثلاً، أن أجهزة الأمن وحتى الجيش لم تكن معدة للدفاع عن الوطن او الشعب ولا لتحرير المحتل من الأرض العربية، بل للحفاظ على النظام وعلى مصالح الفئات الضيقة المرتبطة به. الشعب الفلسطيني الآن يراقب ويرى ويتعلم درس الديمقراطية جيداً، ولن يطول به الوقت حتى ينضم الى الربيع العربي، ويحرر نفسه بنفسه، دون وسيط سلطوي او حتى فصائلي او حزبي غير ديمقراطي او ينتمي الى فكر وايديولوجيات عفا عليها الزمن وباتت تنتمي الى العهود البائدة.