وثيقة الأسد الجد الخيانية
الجلسة الخاصة، التي عقدها اعضاء مجلس الامن يوم الجمعة الموافق 31 آب / أغسطس الماضي، فتحت الباب مجددا لاعادة تسليط الضوء على الوثيقة الخيانية، التي ارسلها ستة من شيوخ الطائفة العلوية لرئيس الحكومة الفرنسية عام 1936 ، ليون بلوم ، ومحفوظة تحت الرقم 3547 تاريخ 16/6 / 1936. لا سيما وان الوثيقة ذاتها قام المناضل خالد الجندي، الرئيس السابق لاتحاد نقابات العمل في سوريا عشية نشرها في صحيفة "الاهرام" المصرية في أوآخر ثمانينات القرن العشرين، وكان ايضا الصحافي اللبناني أنطون غطاس صعب، نشرها وكتب عنها في صحيفة "النهار" البيروتية في 23 إكتوبر العام الماضي.
الوثيقة الموقعة من بعض زعماء الطائفة العلوية في اعقاب انفجار ثورة الشعب العربي الفلسطيني الكبرى 1936- 1939 بشهرين تشكف المستور عند بعض اعداء وحدة الشعب العربي السوري، وخلفية احفادهم اللاوطنية والمعادية للقومية العربية، رغم انهم امتطوها لخدمة اهدافهم التآمرية المعادية لحقوق السوريين والفلسطينيين والعرب. ولا يعني الاستنتاج آنف الذكر الاساءة لكل ابناء الطائفة العلوية. بمعنى ان الضرورة تملي على المراقب والمحلل للوثيقة، ان يميز بين جموع ابناء الطائفة العلوية الكريمة ومن وقع عليها وناصرهم على ارسالها لرئيس الحكومة الفرنسي بلوم آنذاك. لان ابناء سوريا البطلة من اتباع المذهب العلوي او "النصيرية" ساهموا ، ومازالوا يساهمون في بناء سوريا المدنية، والتخلص من براثن نظام آل الاسد الاستبدادي.
بالتوقف امام الوثيقة العار، المنشورة على موقع "العربية نت" ، لابد من التأكيد على انها ( الوثيقة) أمكنت المرء، من تجاوز الضبابية، التي لازمت قراءته لشخصية الرئيس حافظ الاسد. وسبرت اغوار مرتكزات الاسد الحفيد السياسية، وأسهمت في المحاكمة الموضوعية للرجل بعيدا عن الاستنتاجات المستندة للتحليل العلمي فقط، والمجردة من المعلومات والاسانيد الموثقة.
الوثيقة الخيانية، حملت الكثير من المواقف الناظمة لسياسات النظام الاسدي القاتل، وعرته تماما من ثوب الوطنية والقومية بمعايير المرحلة التاريخية، التي قاد ، ومازال يقود فيها سوريا العروبة، ومما جاء في الوثيقة اللاوطنية، التي وقع عليها كل من : عزيز آغا الهواش، محمود آغا جديد، محمد بك جنيد، سيلمان أسد (الوحش) ، سليمان مرشد، محمد سليمان الاحمد، الآتي: اولا قسمت الشعب العربي السوري الى طوائف ومذاهب .
واستخدمت مفهوم "الشعب" بدلا من الطائفة، للتمييز بين ابناء الشعب الواحد، ولاعطاء "مصداقية" لنزعاتهم الانفصالية الانقسامية. فاوردت في النقطة (1) و (2) و(3) مفهوم "الشعب العلوي" و "الشعب السني" . كما حرضت على العرب من المذاهب الاسلامية الاخرى، ورفضت إدراج الطائفة العلوية ضمن المذاهب الاسلامية، فضلا عن انها رفضت عروبة ابناء الطائفة !؟ ثانيا دعت الوثيقة الى تأبيد الانتداب الفرنسي. ورفضت خيار استقلال سوريا.
واعتبرت الاستقلال المطلق يعني السيطرة على العلويين في "كيليكيا" و"الاسكندرون" (لواء الاسكندرون الذي تم سلخه في عام 1939 عن سوريا والحاقه للدولة التركية) و"جبال النصيرية". من يراقب اليات عمل وسياسات النظام الاسدي تجار لواء الاسكندرون المحتل من قبل تركيا، يستطيع ان يرى جيدا، ان الامر لا يتجاوز حدود البيان السياسي الخجول.
ولا يشير الموقف تجاه هذا الاقليم العربي السوري المحتل اي موقف جدي وحقيقي للدفاع عن الحقوق القومية في الاراضي السورية المحتلة. لا بل يعني تواطأً لنظام الاسد الاب والابن مع الاحتلال التركي، لان معايير الوطنية والقومية مشروخة وترتكز على وثيقة العار. الاهم الاساسي في الوثيقة، كان عدم "سيطرة" العرب السنة على المناطق ذات الاكثرية العلوية. ولذا اعلنت الوثيقة رغبتها ببقاء الانتداب والاحتلال الفرنسي للاراضي السورية. كما ان تسليم اللواء الى تركيا ترافق مع هزيمة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1939، وعشية اشتعال الحرب العالمية الثانية في ذات العام. وسهلت نقل الجزء الاكبر من ابناء الطائفة العلوية لتركيا، استجابة لوثيقة العار وقبل مغادرة فرنسا موقع المقرر في شكل الاستعمار القديم. ثالثا رفض الوثيقة النظام البرلماني، لانها اعتبرته مظهر من "مظاهر الكذب" و "ليس له قيمة" في حماية الاقليات. لا بل اعتبرته "يخفي في الحقيقة نظاما يسوده التعصب الديني على الاقليات."
وتابعت الوثيقة تحريض الفرنسيين على العرب "المسلمين" بقولها عندما تساءلت " فهل يريد القادة الفرنسيون ان يسلطوا المسلمين على الشعب العلوي ليلقوه في احضان البؤس؟" جاء الطرح انف الذكر، ردا على الدعوة لانشاء نظام برلماني ديمقراطي ، يؤمن الحماية للاقليات، ويساوي بين ابناء الشعب على اساس الاعتبار الديمقراطي. وهو ما يكشف الرفض المبدئي للوحدة السورية، وتعميق خيار الانفصال، والدعوة لمواصلة الانتداب.
رابعا التحريض في النقطة ال(4) على الدين الاسلامي الحنيف، فتقول الوثيقة ، " إن روح الحقد والتعصب ، التي غرزت جذورها في صدور المسلمين العرب ( اي انهم ليسوا عربا؟) نحو كل ما هو غير مسلم، هي روح يغذيها الدين الاسلامي على الدوام؟! ليس هذا فقط، انما تذهب الوثيقة لابعد من ذلك عندما تطالب باستمرار الانتداب حين تقول " لذلك فإن الاقليات في سوريا تصبح في حالة الغاء الانتداب معرضة لخطر الموت والفناء..!؟" والاخطر مما تقدم كله في ذات النقطة، عندما تشير الوثيقة الخيانية الى حرصها على اليهود في فلسطين، وتعتبرهم نموذجها، كما وتعتبرهم "ابرياء" و "مظلومين" من قبل العرب المسلمين، فتقول : " وها نلمس ان مواطني دمشق المسلمين يرغون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على توقيع وثيقة يتعهدون بها بعدم ارسال المواد الغذائية الى إخوانهم اليهود "المنكوبين" في فلسطين .
وحالة اليهود في فلسطين ، هي أقوى الادلة الواضحة الملموسة على اهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي الى الاسلام؟!"