هل الاتفاق التركي الإسرائيلي كارثة سياسية كبرى؟

بقلم: 

هل كان يوآف غالانت" عضو المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر على حق حين قال: إنه لا يقبل بوساطة تركيا في قضية الجنود المفقودين في قطاع غزة؟

وكيف تأكد "جالانت" من عدم نزاهة تركيا في هذا الخصوص؟ ولماذا أيقن أن تركيا متعاطفة بقضها وقضيضها مع الأسرى الفلسطينيين وأنها لن تحد من مطالب المقاومة الفلسطينية، ولن تشكل ضغطاً عليها؟

ولماذا يفتش "جالانت" وأمثاله من المتطرفين الإسرائيليين عن وسطاء عرب أو أجانب تهمهم مصلحة إسرائيل أولاً، ولديهم قدرة الضغط على المقاومة الفلسطينية، كي توافق على صفقة تبادل أسرى تكون في صالح إسرائيل أكثر مما تكون في صالح الفلسطينيين؟.

لقد جاءت تصريحات "يؤآف غالانت" لتلقي حجراً في فم كل أولئك الذين سعوا في الأيام الماضية إلى الربط بين كراهيتهم لحركة حماس، وبين الاتفاق التركي الإسرائيلي لعودة العلاقات الدبلوماسية، حتى وصف بعضهم الاتفاق التركي الإسرائيلي بأنه كارثة سياسية كبرى تلحق العار التاريخي والوطني بكل صامت عنه! بل وذهب البعض إلى القول: إن الاتفاق التركي الإسرائيلي يمهد لعلاقات استراتيجية قد تصل إلى حد الشراكة في قضايا عدة تخص الإقليم، وتحاصر إيران، وأن سفينة المساعدات التركية لغزة غير قادرة على تجميل وجهة الاتفاق القبيح.

وقد بالغ البعض في الهجوم على الاتفاق، وذهب إلى القول: إن فحوى الاتفاق يتضمن التزامات أمنية واستخباراتية جديدة، قبلت بها تركيا هذه المرة بالتفاصيل.

إن ما سبق من هجوم على تركيا هو في الأصل هجوم على العلاقة المميزة بين تركيا وحماس، وما دون ذلك تشويه للحقائق، والدليل على ذلك هو تلك العلاقة الأمنية المميزة بين أمريكا وإسرائيل، ومع ذلك لا تهاجم أمريكا من قبل أولئك الذين  يهاجمون تركيا، وهنالك علاقات أمنية وسياسية مميزة بين دولة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وقد وقعت إسرائيل معهم اتفاقيات أمنية واستراتيجية تفوق تلك التي وقعتها تركيا مع إسرائيل، فلماذا لا تهاجمون تركيا، وتلهثون للصداقة مع دول الاتحاد الأوروبي، بل وتتسابقون على إقامة علاقات حميمية مع الغرب؟

إن منطلق رفض البعض للاتفاق الموقع بين تركيا وإسرائيل لا يستند على حيثيات الواجب الديني الملقى على عاتق تركيا الإسلامية، والتي يجب أن تحارب إسرائيل، وتقتلعها من الوجود؛ لا أن توقع معها معاهدة من ثمانية بنود، فهل لدى المعارضين للاتفاق التركي الإسرائيلي النية والجدية لمحاربة إسرائيل، ولا يعترفون بها، فجاءت الاتفاق التركي وخذل استعدادكم؟ أم أنكم تتسابقون للتعاون الأمني مع إسرائيل، وتخشون أن تتقاطع تركيا مع خطوطكم الأمنية؟

ومتى كان حلال عليكم التعامل مع إسرائيل وكان حراماً على تركيا؟ لماذا لم تبدأوا بأنفسكم، وتقطعوا كافة أشكال تعاونكم مع إسرائيل، ومن ثم تطالبون الأخرين بأن يحذوا حذوكم؟ وما دون ذلك فإنني سأقدر أن غضب البعض على الاتفاق التركي الإسرائيلي ينطلق من فشل مخطط حصار غزة، ولاسيما أن سفن المساعدات التركية ستتوالى تفريغ حمولتها في ميناء أسدود، وستنقل بلا عرقلة إلى غزة، التي تنتظر كافة المنتجات التركية، وبلا أي مقابل مادي؟

ومن الغريب أن أكبر دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولم تشترط عودة سفيرها إلى تل أبيب بفك الحصار عن غزة، ومع ذلك فلا أحد يعترض، ولا أحد ينتقد!

ومن الغريب أن الأردن العربي له علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتستقبل عمان العاصمة السفير الإسرائيلي فوق ترابها، ولا يرى أحد في ذلك كارثة كبرى تلحق العار التاريخي والوطني بكل صامت عنه، كما وصف البعض الاتفاق التركي الإسرائيلي.

وكي أكون منصفاً، فإنني لا أنكر حق الشعب الفلسطيني في انتقاد تركيا، وحق العرب في مطالبة تركيا بموقف أكثر تشدداً إزاء الحصار على قطاع غزة، ولكن واقع الحال في الإقليم قد فرض على تركيا التراجع خطوة إلى الخلف على أمل التقدم خطوتين في المستقبل.