انهيار اخلاقي وقيمي في المجتمع ...مسؤولية السلطة والفصائل!!

بقلم: 

 

عندما يدخل المجتمع في مرحلة الإستنقاع الشمولي، ويصل الى مرحلة الأزمة العامة، بحيث تصبح السلطة والمعارضة وجهان لعملة واحدة، فإنها تنتشر انماط من السلوكيات اللامعيارية،  ويسهل تشرب الشباب للعديد من القيم السلبية السائدة في المجتمع كالدجل والنفاق بأشكالة السياسية والاجتماعية،  وتصيد الأخطاء وتسجيل المواقف والإبتزاز بأشكاله من اجل الحصول على المكاسب، واستغلال المحسوبيات والعلاقات الشخصية من أجل الحصول على الوظائف والترقيات والمكافآت والمناصب والتعيينات بدلاً من الكفاءة والأحقية....

وهنا نشهد إعلاء لقيمة المال أمام قيمة الثقافة والنوعية، والعائلة امام المجتمع والقوة والبلطجة أمام القانون، والسلاح

أمام الحوار، والتهديد امام التسامح، والخلاف أمام التفاهم والتسول أمام العمل.. والذل والمسكنة أمام الكرامة والكبرياء، وبما يخلق جيلاً خانعاً ومستكين.....

وفي مجتمعنا الفلسطيني فان الاحتلال منذ بداياته، عمل من اجل إحداث اختراق كلي في النسيج المجتمعي الفلسطيني، وعملية الاختراق هذه بهدف تفكيك هذا النسيج المجتمعي، وبتفكيك هذا النسيج،  تتفكك الروابط والعلاقات

الاجتماعية، ويصبح المجتمع مجموعات سكانية اجتماعية، لا يجمعها ولا يوحدها لا مصير ولا هدف مشتركين، ويتم اعلاء شأن الحامولة او العشيرة أو القبيلة أو البلدة فوق شأن الوطن، وتقدم الولاءات والانتماءات العشائرية والقبلية على الانتماءات الوطنية.

وتفوق الرأسمال الاجتماعي السلبي على الرأسمال الاجتماعي الايجابي في المجتمع الفلسطيني، له علاقة مباشرة في حالة الضعف والانهيار العامة، حيث سلطة متهالكة لا تمتلك لا رؤيا ولا استراتيجية ولا برامج مجتمعية، وبدلاً من ان تعزز القيم الايجابية في المجتمع الفلسطيني، ساهمت في سيادة مفاهيم وقيم سلوكية لا معيارية،  فهي من عززت العشائرية في المجتمع، وضربت الكثير من القيم الايجابية التي كانت سائدة في المجتمع الفلسطيني قبل أوسلو، حيث شاعت السلوكيات اللامعيارية من كذب ودجل ونفاق وفهلوية واستغلال وتعينات فئوية وتغلل الاقصائية والفئوية المفرطة، وشيوع حالة واسعة من عدم الثقة، وغياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة، والتراجع والإنسحاب نحو العشائرية والعائلية.

وفي المقابل فإن ضعف السلطة والمؤسسة الرسمية، قابله بالمقابل ضعف في مؤسسات المجتمع المدني، حيث ان أغلب هذه المؤسسات تعتمد على التمويل الخارجي، وبالتالي هذه الاختراق السياسي والاقتصادي والتمويل المشروط، جعل ولاء قياداتها للممول قبل الولاء للوطن، ونظرت الى مؤسساتها كنوع من البرستيج والجاه الاجتماعي، والمكانة الاقتصادية والاجتماعية والمنفعة الشخصية، وكذلك تراجع دور الأحزاب والفصائل في المجتمع، وبالتالي مؤسساتها الاجتماعية والجماهيرية، هي الأخرى تراجع وضعف دورها وفعاليتها في المجتمع، وهي تشكل العصب الرئيسي والمؤثر لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.

نحن اذا أمام ازمة شاملة قيمية وأخلاقية، وطنية وسياسية، وهذا الأزمة سببت في حدوث انهيار مجتمعي، ولكن ليس الإحتلال وحده هو المسؤول عن ما وصلت إليه الأمور، ولا يجوز أن نجعل منه دائماً الشماعة التي نعلق عليها أخطاءنا وسيادة القيم والمفاهيم السلبية، فاليابان والمانيا هزمتا في الحرب العالمية الثانية، وما زالت الكثير من القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيهما، ولكن بالمقابل نهضتا اقتصادياً واجتماعيا، وتخلصتا من الكثير من القيم والمفاهيم السلبية، ولكن نحن كفلسطينيين، وجدنا أن السلطة السياسية المتشكلة، ساهمت الى حد كبير فيما حصل ويحصل من انهيار قيمي واخلاقي، فالاحتلال دوره وهدفه في خلق مجتمع فلسطيني مفكك ومخترق ومدمر مجتمعياً، حتى يضمن بقاء مشروعه الإستعماري قائماً، ولكن ماذا عملت السلطة الفلسطينية والأحزاب والتنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني من أجل، حماية النسيج المجتمعي الفلسطيني من التفكك والإنهيار؟.

فعندما نجد فئة الشباب، وهي الفئة الحية من المجتمع الفلسطيني، تصل نسبة عدم الثقة عندها الى أكثر من 80%، وكذلك النسبة المرتفعة من الشباب التي تريد ترك البلد والهجرة، وعدم وجود أساس لعدل إجتماعي، وغيرها الكثير من الشيوع للمفاهيم والقيم السلبية، يثبت ان هناك خلل جوهري، بحاجة الى علاج جدي.

وهذا الخلل مزدوج قيادي وقاعدي، والقيادة هي المسؤول المباشر عن ذلك، ولكن البنى السياسية والمجتمعية الأخرى، تتحمل مسؤولية هي الأخرى في هذا الجانب، فنحن على سبيل المثال نشهد في ظل ضعف وتراجع دور السلطة والأحزاب والحركة الوطنية، شيوع تراتبية إجتماعية مقلوبة، أي حلول العشائرية والجهوية محل القوى الوطنية والسلطة السياسية التي حضنت تلك العشائر، وعملت على تقوية دورها ووجودها في المجتمع، ت وأصبحت تلعب دوراً بارزاً ورئيسياً في معالجة القضايا والخلافات والمشاكل الاجتماعية، وفق رؤيتها وتصوراتها وبما يخدم اهدافها ومصالحها، وفي أغلب الأحيان الحلول ترقيعية ولا تعالج جذور المشكلة، بل تقوم على "الطبطبة" ولملمة الطابق والمشكلة، وغالباً تكون المعالجة، حتى لو كانت المشكلة لها ذيول وتداعيات كبيرة، قائمة على النفاق والتدليس وسياسة "التخجيل" ، ولتنتهي بما يسمى بالكرم والتسامح العربي الأصيل كشعار وعنوان، يخفي تحته كذباً ونفاقاً ودجلاً، حيث فنجان القهوة رأسمال المشكلة.

ونحن لا ننكر أن القيادات العشائرية تلعب دوراً مهماً في محاصرة ولجم تداعيات وتطورات المشاكل الإجتماعية، ولكن بالضرورة أن يكون هناك قانون، يطبق ويلجأ إليه في حل المشاكل الإجتماعية والخلافية بين أفراد المجتمع، ولكن نحن أمام مجتمعات تعاني من تشوهات في الوعي والبنية المجتمعية والتربية والثقافة،  فعندما تجد على سبيل المثال أن خلافات بين قادة المجتمع أنفسهم، كما حصل في البرلمان الأردني، يجري حلها من خلال العطوات والجاهات، فهذا مؤشر خطير جداً، على أن السلطة بمؤسساتها وتشكيلاتها، عاجزة عن فرض هيبتها وسلطتها، وما يحدث من خلافات داخل أسوار المؤسسات التعليمية، ويأخذ أبعاده القبلية والعشائرية والجهوية، هو مؤشر اخر على أن الرأسمال الاجتماعي السلبي، له الغلبة واليد الطولى في المجتمعات القبلية والعشائرية،  ناهيك عن ان السلطة القائمة، تعزز وتقوي مفاهيم وقيم الرأسمال السلبي، حيث الفساد والمحسوبيات والنفاق والدجل وغياب الحريات والديمقراطية وغيرها.

اذا حتى يتعزز دور الرأسمال الإيجابي في المجتمع وتصبح له الغلبة، فنحن بحاجة الى ثورة شاملة في المفاهيم والقيم، نحن بحاجة الى تغير جوهري في العلاقات الاجتماعية ونوعية العلاقات بين السكان والمؤسسات المحلية والقطرية وجاهزية السكان للتعاون والمشاركة في الفعاليات التي ترمي الى خدمتهم وتحسين نوعية الحياة في البيئة المحيطة، وطبعاً هذه عملية صعبة ومعقدة وبحاجة الى جرأة عالية وقيادات تمتلك القدرة على التغيير، من خلال قرارات ذات بعد وطابع جراحي.

 

المصدر: 
القدس