مخيم اليرموك..... وجع الذاكرة و المكان

بقلم: 

شكل مخيم اليرموك قمة الوجع واليأس الفلسطيني، ذلك المخيم الذي أحتضن الفلسطينيين والسوريين الهاربين من بطش النظام، و الفلسطينيين الذين تقطعت بهم سبل العيش في المنافي ودول اللجوء، استقبل الفلسطينيين المهجرين بفعل حروب العرب الطائفية والمذهبية في لبنان والعراق، واستقبل الفلسطيني القادم من الكويت، احتضن الثورة الفلسطينية في الزمن الصعب، أحب ياسر عرفات وتحدى فيه النظام الطائفي، وعشق أيقونة الثورة جوج حبش، وجعل من أبنائه وقودا لمعارك الدفاع عن الثورة والقرار الفلسطيني المستقل،  ومعارك الصمود والقتال الباسل في مواجهة عدونا الوطني والقومي الذي توحد الفلسطينيون لمواجهته. عجت مقبرة الشهداء بأبنائه وكان لكل قبر حكاية ومأثرة،  كان عنيدا ودائم البحث عن حلول للفشل، كان دائم الحضور في كل المراحل.

كان زمنا جميلا أحتضن التاريخ الفلسطيني السياسي والثقافي، تعلم أطفاله الحق الذي لايموت لغسان كنفاني وأدب المقاومة درويش وراشد حسن،  تاريخ جميل فيه أبو سلمى و جبرا وآل طوقان وسحر خليفة والأميلين، تاريخ جميل فيه القسام وعبدالقادر الحسيني يتحصن في جبال فلسطين، وأبطال معلولا وسيفوي ومطار اللد، والطائرة الشراعية،  وميونخ  ودلال المغربي تاريخ جميل فيه يوسف سامي اليوسف الذي رحل في الحصار,  لم يحتمل الفشل واليأس الفلسطيني، تاريخ جميل ولكنه غير معاق.

فتحت مآساة الفلسطيني في مخيم اليرموك ومخيمات الشتات الباب واسعا لإعادة  تقيم الوجود  الفلسطينيي وأمنه في الشتات، الذي هجر من وطنه ومورس بحقه أبشع تطهير عرقي ، صودرت أملاكه وارضه بفعل الهجمه الاستعمارية الاستيطانية التي مارستها العصابات الصهيونية، فبعد أكثر من ستين عاما على هجرة الفلسطينيين في دول اللجوء اصطدم الفلسطيني وطورد من قبل العديد من الأنظمة العربية، التي لم تعد تحتمل الوجود السياسي للفلسطينيين واعتبرته فائضا عن الحاجة، فلم تحتمل العلاقة التي نشأت بين الفلسطينيين ومواطنيها، الذين وجدوا في القضية الفلسطينية متنفسا لهم أولا في التعبير عن حالة القهر والاضطهاد الذي تمارسه أنظمتهم  وثانيا والأهم في تعاطف الفلسطينيين مع الشعوب العربية في نضالهم ضد أنظمة الاستبداد و التخلف، اعتبر الفلسطيني أن هذه الأنظمة  تشكل قيدا عليه وعلى نضاله وتكبيلا للطاقات العربية الساعية للتحرر والتصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وكان الفلسطيني ومازال ينتظر أن  تتحويل الدول العربية وخاصة دول الجوار إلى قاعدة متقدمة للنضال الوطني التحرري، الأمر الذي حاربته الأنظمة وزجت عشرات الآلاف من المناضلين العرب والفلسطينيين في غياهب المعتقلات والسجون العربية، ومن هنا نشأت العلاقة بين المكونات السياسية للشعب الفلسطيني من جهة وبين الأحزاب والحركات العربية التي كانت تناضل من أجل إسقاط نظمها وحكامها الفاسدين الذين رهنوا دولهم لمشيئة دول الجوار للإقليم العربي ولسياسة الإدارة الأمريكية ولإسرائيل.

جاء الربيع العربي ليشهد تعاطفا  فلسطينيا هائلا على المستوى الشعبي، وهذا أمر طبيعي فلم يعد شعار عدم التدخل في الشأن العربي واردا، وإن كان ما يبرره لتجنيب المخيمات الفلسطينية ويلات الحروب الطائفية والمذهبية التي افتعلتها وغذتها الأنظمه العربية، وصاغها وأعطاها بعدا سياسيا أيدولوجيا ومذهبيا وطائفيا أحزاب الإسلام السياسي وخاصة حركة الأخوان المسلمين، والفصائل التكفيرية التي تدعمها، لم يحم شعار عدم التدخل في الشأن العربي والموقف الحيادي الفلسطيني مخيمات سوريا وخاصة مخيم اليرموك من الدمار والحصار, وهذا أمر يبدو أنه لم يكن من الممكن الانفلات منه، فالتجمعات الفلسطينية في تلك الدول ولمدة أكثر من ستين عاما، أصبحت جزءا من شعوب المنطقة، ولأنهم لاجئين ويعيشون في مرحلة تحرر وطني فإن انشغالهم في السياسة أمر حياتي ويومي.  ومن هنا جاء ارتباك منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية في المشهد السياسي السوري، رغم صوابية الموقف الفلسطيني من تحييد المخيمات وتوفير الحماية السياسية لها، إلا أن تعاطف الفلسطينيين مع الثورة السورية ومع التحول الديمقراطي في سوريا سبق المواقف الفلسطينية وعزز من الارتباك الحاصل. بالرغم من الانحرافات التي حدثت في المشهد السياسي السوري، بتحويل الصراع من صراع ديمقراطي داخلي، إلى صراع  مذهبي وطائفي، والذي يتحمل المسؤولية في ذلك النظام أكثر من غيره لأنه سعى إلى ذلك وشجع فصائل الإسلام السياسي وعلى رأسهم التكفيريين في العبث في الثورة السورية وهذا تم بتمويل عربي سخي، كما أن النظام أراد من حصاره لمخيم اليرموك وتفاقم الحالة الإنسانية فيه إلى توظيف ذلك في خدمة معركة بقاءه، وبهذا أصبح المخيم رهين المحبسين حصار النظام له ووجود المسلحين، و لكن رغم هذه الانحرافات الخطيرة في مسار الثورة السورية إلا أنها في جوهرها تبقى تعيش في مرحلة التحول الديمقراطي.

وحدت مأساة اليرموك الفلسطينيين في الضفة والقطاع وفي مخيمات اللجوء وفي الشتات والمهجر، وأعادت الاعتبار إلى هوية وشخصية الجماعه السياسية الواحدة، شهدت كل التجمعات نشاطات تضامنية مع شعبهم المحاصر الذي أنهكه الجوع والموت البطيء، و نشأت هذه التحركات بفعل مبادرات شبابية لتأمين الدعم بمختلف أشكاله، ففي مخيمات سوريا تشكلت جمعيات ومؤسسات  إغاثة  نشطت في كل الميادين الصحية والتعليمية والإعلامية...  الخ، وهي الآن منوط بها تأمين صمود الفلسطينيين، وأسست عشرات المواقع الألكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي انضم عشرات الآلاف من الشباب إلى حملات دعم المخيمات،  بتنا أمام جيل واع  بدأ يطرح أفكارا جديدة، ويقدم رؤية جديدة للقضية الفلسطينية، حق العودة نال القضية المحورية وبمضامين جديدة حملوا الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية ما حدث للاجئين في سوريا باعتبارهم طردوا من أراضيهم و صودرت أملاكهم التي انتفع منها  الاقتصاد الإسرائيلي لأكثر من ستون عاما، إسرائيل هي الدولة التي يجب أن تتحمل التكلفه الباهظة لتهجير الفلسطينيين من مخيمات سوريا وبالتالي الشتات هي من استغلت أراضيهم طيلة عمر النكبة وبنت إقتصادها، وعلى أساس هذا  طرح الشباب ضرورة تفعيل الحق الشخصي والإجتماعي لعودة اللاجئين إلى جانب الحق السياسي والوطني، وحملوا بريطانيا المسؤولية الاخلاقية والسياسية لاعطائها وعد بلفور المشؤوم ، وشكلت لجان شبابية لمقاضاتها  ومسؤوليتها في تهجير الشعب الفلسطيني، وحملت المجتمع الدولي  عبء الحاله التي وصلها اللاجئ الفلسطينيي في سوريا.

و في هذا المجال يشار إلى أن هناك الآلاف من المعتقلين الشباب الفلسطينيين في سجون  النظام في سوريا جزء منهم قتل تحت التعذيب وجزء آخر ينتظر موته البطيء، هؤلاء الشباب في أغلبهم من المجموعات التي تشكلت، وعلى رأس هؤلاء المعتقلين الكاتب و المثقف الفلسطيني علي سعيد الشهابي الذي أعادت اعتقاله أجهزة الأمن السوري بعد أن قضى في سجونها أكثر من عشرين سنه، فقط لأنه لاجئ فلسطيني لم تعجبه الحالة السياسية الفلسطينية والسورية،  كان يرى في النظام السوري الحالي عقبة أمام توظيف إمكانيات سوريا وشعبها في دعم ومناصرة القضية الفلسطينية، ومن خلال هذا المقال أدعوا الشباب الفلسطيني في كل مكان لتشكيل لجان للإفراج عن هؤلاء المعتقلين .

Mhijazi2@hotmail.com