ائتلاف متفتح يحل مكان فتح

بقلم: 
ماذا سيبقى من فتح بعد مؤتمرها السابع ؟ 
سؤال مصيري يواجه الحركة التاريخية ذات التيار المركزي في منظمة التحرير في وقت من أكثر الأوقات السياسية والمجتمعية حساسية ويواجه كذلك الفتحاويين الساعين لتجديد حراكهم السياسي في خدمة القضية والشعب الفلسطيني.
فتح قادت النظام السياسي الفلسطيني الذي نشأ بحكم اتفاقية أوسلو وجلست وحدها تدير هذا النظام من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية التي تقدمت في دورها فابتلعت دور ائتلاف منظمة التحرير التي من المفترض هي مرجعية النظام السياسي وحاضنته وكذلك هي مرجعية السلطة الوطنية أيضا رضي الفتحاويون أم لم يرضوا إن كانوا هم السلطة أم كانوا حاملين وزر السلطة رغم الظلم الذي وقع على تنظيم فتح الذي أهمل طويلا في العقد الأول لنشوء السلطة والذي لم يلتفت له أحد إلا بعد انقلاب حماس ورغم هذا الالتفات المرتبك للتنظيم في طريق  استعادة قوة فتح لعقد آخر فقد كان في نهاية هذا العقد الثاني أن اهتزت هذه الحركة العملاقة بدخولها نفق الاتهامات بالفساد والتشلل والتمنطق الجغرافي ووصلت خلافات الرئيس والنائب محمد دحلان لأوج الخلاف في نهاية العام 2011م رغم نجاح فتح في عقد مؤتمرها السادس في العام 2009م بغغض النظر عما تذمر منه الفتحاويون من نتائج لهذا المؤتمر الذي كمنت فيها مضاعفات ما يحدث الآن.
منعطفات وأحداث مفصلية كبيرة مرت بها فتح منذ نشوء السلطة الوطنية وعودة كادرها إلى غزة والضفة الغربية بدءاً بطريقة الفئوية الحادة التي شابت تكوين المؤسسات والوزارات والأجهزة الأمنية وإدارة المفاوضات وإدارة العلاقات الخارجية وانتشار الفساد في المؤسسات عبر عناصرها وانتفاضة الأقصى وموت ياسر عرفات رمز الحركة القوي ورمز فلسطين ونشوء جماعات المصالح واختلاط البرنامج الوطني بالاجتماعي وغموض المستقبل الوطني وتعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وهروبها من عملية السلام الذي قادته حركة فتح.
لم تكن الخلافات الشخصية والمصالح هي من عصفت بهذه الحركة رغم أهميتها ولكن هناك عوامل عدة تجمعت لتربك هذه الحركة في مسيرتها بعد أوسلو وبطريقة تختلف عما واجهته فتح سابقا في المهجر من تحديات حيث هنا على أرض الوطن من ادارة السياسة والمجتمع ومتطلبات العدالة الاجتماعية التي تشكل تحديات كبرى لمن هو حزبا حاكما وكانت خلافات الأشخاص والصراع الداخلي هي القشة التي قسمت ظهر البعير.
تخلت فتح عن المقاومة وانتهجت السلام وترهل كادرها المقاوم موازاة بأحزاب أخرى مثل حماس والجهاد الاسلامي وكانت تحافظ على منهجها السلمي المطلوب لحركة تقود عملية سلام كما تصور الفتحاويون من خلال قياداتهم وكان عليهم عدم انهاء الانتفاضة الشعبية التي أحضرتهم لقيادة السلطة والنظام السياسي الفلسطيني.
الآن كل هذا التراكم من الاخفاقات والشروخ الحزبية وصراع المصالح الناتج من الهيمنة على كل المقدرات والمؤسسات ومصادر الدخل العام والأهم عدم امكانية اعادة الأساس الذي بنيت عليه فتح تاريخيا وهو المجموعات العسكرية والعمل العسكري وهذا التاريخ كان حملا ثقيلا عليهم حين تداخل البرنامج الوطني مع الاجتماعي وتوقف العمل العسكري دون ضمانات لنجاح عملية السلام  وبالنتيجة فشلوا في ادارة البلاد وشؤون الناس وفقدوا السيطرة على غزة وفشلوا في تحقيق السلام أو أفشلوا فهي نفس النتيجةز
الآن فتح الحالية ليست فتح التي قبل اتفاق أوسلو حيث بدا أن الظروف الموضوعية الآنية تحمل نواة الفشل لمشروعهم ليس السلامي والتفاوضي والإداري  فقط بل المشروع الحزبي أو الحركي  للتنظيم هو على المحك ولا ضمان لدى الفتحاويين من تخطي عتبة مؤتمر سابع وهم بخير مهما صلحت النوايا فالعمل السياسي ليس قابلا للإخضاع للنوايا والأماني بل هو معطيات على الأرض وممكنات تنظيمية ورؤيوية وظرف موضوعي قابل للنهوض وهنا وصلت فتح لمحطة دفع الثمن من تحمل مسؤولية برنامجها وبرنامج رئيسها في عملية السلام الفاشلة ولذلك فالذي يريد حركة أو تنظيما أو حتى  ائتلافا مهجنا يحمل رسالة ورؤية أقرب لحركة فتح أن ينحو نحو تشكيل جديد ينضوي تحته الوطنيين من كل من يريد من التنظيمات وكل القطاعات المهنية والمستقلين القريبين للرؤية الجديدة الذين مازال لديهم طاقات كبيرة لم يقدموها أو استهلكت بحكم الماضي والانغماس في تحدياته التي باءت بالفشل.
الجديد الذي أتحدث عنه هو ائتلاف متفتح لا يحمل هموم الماضي ومضاعفات الحركة الأم التي لن تخرج من فشلها الكبير والمتعدد المناحي بخير ولن تستعيد الزمن التليد والأفضل ترك ما كان من مسؤوليات وثمنها لمن يريد أن يجرب ويتصدى لحمل مسؤولية استعادة فتح التي لن تعود كما كانت والأحزاب الاسرائيلية مثال للتجديد الدائم للخلاص من المعوقات والشخوص غير المؤتلفين مع الاحزاب القديمة التي تنغل حقدا وخلافاتا وفشلا في ادارة أحزابها داخليا ومسؤولياتها تجاه الوطن خارجيا ... هذا ليس هروبا بالمعنى القبلي فالسياسة والحزب أكبر من تراث القبليات التي تعيق العمل السياسي .. 
الحزب السياسي هو أرقى ما وصلت إليه التجربة البشرية وهو ليس معبدا للتعبد فيه إلى الأبد  ولا من بداخله أنبياء للإيمان الأبدي بهم بل الحزب تجربة جماعية  تتغير فيها الظروف والشخوص  ويمكن تركها والذهاب أينما تريد هكذا الزمن الحاضر الذي نعيش فيه وهو طريق الانقاذ لشعبنا وقضيتنا المقدسة التي ارتفع تقديس الشخوص والأحزاب والفئوية فوق قدسيتها والأقوياء دائما هم المبادرون أما الضعفاء فينتظرون الوقت للزحف إلى المقدمة في غياب الأقوياء وهؤلاء الضعفاء هم من ينخلون أحزابهم.