مصر وحماس؛ تواصل بعد قطيعة

بقلم: 

بعد وصول وفد حركة حماس إلى القاهرة، وبدء التباحث والتشاور مع القيادة المصرية، لا يصح الحديث عن المواضيع التي سيناقشها وفد حركة حماس في مصر، ولا يصير الاستفسار عن الانجازات التي سيحققها الوفد من خلال الزيارة، ولا يصح أن نصدق ما يردده البعض بان المصريين قد وضعوا شروطاً مسبقة، ولهم عدة مطالب من وفد حركة حماس، الذي يتوجب أن يثبت حسن نوايا تجاه مصر.

بعد وصول وفد حركة حماس إلى مصر فإن المشهد البائن للعين والعقل يشير إلى أن الشك والشد التي سبق الزيارة هو جزء من هذه الزيارة، وأن اتصالات عاجلة وسريعة وهامة قد جرت على أعلى المستويات في المنطقة، كانت وراء نزع فتيل التفجير الذي حرص أكثر من طرف على إشعاله، وذلك من خلال التحريض على حركة حماس بشكل فج، وبعلانية، وبلا وجل، فجاءت النتائج العاجلة مخالفة للتوقع، ومخيبة لآمال أولئك الذين امتطوا سنتين من القطيعة بين مصر وحركة حماس، حاولوا خلالها العبث في الساحة الفلسطينية، من خلال تشديد الحصار على قطاع غزة، والتضييق على حياة الناس، متجاهلين ما تشهده المنطقة من تحالفات استراتيجية حديدة لا يمكنها أن تقفز عن ظهر حركة حماس، ومتجاهلين التوازنات الإقليمية التي تحرص على وجود حركة حماس في صفوفها كحركة مقاومة، لها قيمتها المعنوية.

إن فتح معبر رفح بشكل استثنائي، ووصول وفد حركة حماس إلى القاهرة، لهو بحد ذاته انتصار لحركات المقاومة الفلسطينية قبل أن يكون انتصاراً لحركة حماس، وذلك لأن استئناف المحادثات بين مصر وحماس سيتواصل من النقطة التي توقف عندها قبل سنتين، عشية وقف العدوان على قطاع غزة سنة 2014، حين كان وفد حركة حماس يرقد في حضن عزام الأحمد رئيس الوفد الفلسطيني، لقد انتهت محادثات وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي، وغادر الوفد الفلسطيني القاهرة، وانتظر الناس في قطاع غزة الفرج، ولكن فرج ظل في القاهرة حبيس الوعود التي لم ينفذ منها شيء حتى يومنا هذا.

           مع زيارة وفد حركة حماس إلى القاهرة، تعود العلاقة الدقيقة بين الطرفين لتصب في مصلحة الفلسطينيين في قطاع غزة أولاً، وفي مصلحة القضية الفلسطينية بشكل عام ثانياً، وفي مصلحة مصر العربية ثالثاً، فمصر بحاجة إلى حركة حماس بالقدر نفسه الذي تحتاج فيه حركة حماس إلى مصر، ولاسيما أن مسئولي حركة حماس لما يزل يؤكدون على أهمية مصر ومكانتها وتأثيرها على القضية الفلسطينية، وقد حرصوا على طمأنة الحكومة المصرية على موقف الحركة القائم على الفصل التنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين، وعدم التدخل في شئون البلاد العربية، وهذا ما يحظى بتقدير الحكومة المصرية.

لقد دللت زيارة وفد حركة حماس إلى القاهرة على أن السياسة المصرية قد باتت أكثر موضوعية في قراءة الخارطة السياسية الفلسطينية، وأنها أضحت أكثر استعداداً للاعتراف بالمقاومة الفلسطينية معادلاً موضوعياً للوجود الفلسطيني نفسه، وعليه فإن الأيام القادمة ستشهد تحولات استراتيجية سيتلمس المواطن الفلسطيني في قطاع غزة نتائجها، وستنعكس على حياته بشكل إيجابي، ولاسيما أن جميع الأطراف قد أدركت فشل سياسة الحصار، وإغراق حركة حماس في المشاكل، واقتنع الجميع بفشل سياسية عزل حركة حماس أو اقتلاع جذورها من الأرض العميقة، ليكون البديل عن القطيعة في المرحلة القادمة هو التواصل، وليكون البديل للخنق والتضييق هو المزيد من فك الحصار عبر بوابات التواصل البري مع مصر العربية، في محاولة التفافية لقطع الطريق على جسور التواصل البحري التي تسعى إليها تركيا.

الفترة القادمة ستشهد تطوراً لافتاً في العلاقة الحميمية بين مصر العربية وحركات المقاومة الفلسطينية، وهذا سينعكس إيجاباً على مجمل العمل السياسي الفلسطيني.