عمر النايف.. اغتيال للسيادة

الشهيد نايف

قاسم الأغا

شقيق النايف: السفير "المذبوح" اتبع أساليب لإرهاب "عمر" وسفارته سهلّت الاغتيال
الجهاد: الجريمة تثير التساؤلات حول ما يحدث في سفاراتنا في أوروبا
أبو أحمد فؤاد: العدو يتحمل المسؤولية الأولى وسنرد على الجريمة بالطريقة المناسبة

زمن برس، فلسطين: لم تتورّع دولة الاحتلال الإسرائيلي وجهازها الاستخباري (الموساد) عن ممارسة جرائمها المُفضلة والمتمثلة بالقتل وسفك الدم الفلسطيني ومنهم الأسرى المحررون، آخر تلك الجرائم التي تضُاف إلى سلسة طويلة من جرائم الاحتلال، كان اغتياله للمناضل والأسير الفلسطينيّ المحرّر "عمر النايف" في قلب السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا.

ورغم البصمات والشواهد البارزة التي تؤكد أن جهاز استخبارات  الاحتلال أو ما يُعرف بـ(الموساد) هو المسؤول الأول والأخير عن تنفيذ الجريمة؛ إلَّا أن ذلك لم يعفِ السلطة الفلسطينية وسفارتها في بلغاريا من اتهامهما بالتآمر على قتله والتقصير في توفير الحماية لـه ، والضغط عليه من قبل الأخيرة لمغادرة مقرها الذي كان يعتبره الشهيد ملاذاً آمناً سيحميه من بطش (إسرائيل) وغدرها.

وتَعرَّض المُناضل "عمر النايف" الذي يحمل الجنسية البلغارية، الجمعة الماضية، لجريمة اغتيال غامضة في سفارة فلسطين في بلغاريا بعد أن لجأ إليها للاحتماء فيها منذ نحو ثلاثة أشهر، على خلفية تلقي السلطات في صوفيا طلباً من "الانتربول" بضرورة تسليمه لكيان الاحتلال على خلفية مشاركته في عملية قتل مستوطنين، بحسب مزاعم الاحتلال.
أيد خفية

"حمزة النايف" شقيق الشهيد عمر أكّد أن المسؤول الأول والأخير عن اغتيال شقيقه جهاز الموساد الصهيوني، مرجحاً في الوقت ذاته مشاركة أيدٍ خفية فلسطينية في عملية الاغتيال.

وقال النايف من العاصمة الأردنية عمّان: «الموساد تمكّن من اغتيال عمر نتيجة الفشل الأمني والتضييق الذي مارسته السفارة الفلسطينية وسفيرها في بلغاريا أحمد المذبوح»، مضيفاً: "عمر كان محاطاً بجو عدائي من قبل السفارة وسفيرها وموظفيها الذين افتقروا لأدنى الانتماء الوطني بقضية عمر، حيث كان من المُفترض أن يوفروا له الحراسة والحماية".

وكشف شقيق النايف عن أن شقيقه وقُبيل اغتياله تعرّض لضغوطات شديدة من قبل السفارة والسفير الفلسطيني تمثّلت بتهديده بتسليمه للسلطات البلغارية ما لم يغادر السفارة، ومنعه من زيارة عائلته، وتوكيل محامين له، والتضييق عليهم، مشيراً إلى "أن السفير المذبوح اتبع بحق مع "عُمر" أساليب ترهيب عبر القول له بأن (إسرائيل) ستتمكن من الوصول إليك واعتقالك أو اغتيالك"، بحسب شقيق النايف.

وتابع: "كل تلك الأساليب المُمارسة ضد عمر كان ينقلها لنا أوّلاً بأول قبل اغتياله"، مشدداً على أن تلك الأساليب تنم عن صورة واضحة بأن السفارة وسفيرها وطاقمها تآمروا على قتل عمر، وتركوه يواجه إرهاب الاحتلال وحيداً".

وبشأن الرواية التي تناقلتها وسائل الإعلام والسفارة الفلسطينية عن أن اغتيال النايف تم في حديقة السفارة؛ بيّن "حمزة النايف" أن ذلك عارٍ عن الصحة تماماً بل كان يتحصن في مبنى السفارة، مرجحاً أن عملية الاغتيال قد تمت في داخل المبنى، وأُلقي بعدها في الحديقة للتهرب من المسؤولية.

وأوضح النايف نقلاً عن عائلة شقيقه عمر المُقيمة في صوفيا، وشهود العيان أنهم شاهدوا أثار ضرب شديد وكدمات على وجهه وتحديداً في منطقة العينين والجبين، وتُرك ينزف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في سيارة الإسعاف.

وطالب النايف بلسان عائلته الرئيس محمود عبَّاس بإقالة وزير الخارجية، واستدعاء السفير المذبوح وطاقم السفارة الفلسطينية في بلغاريا على خلفية التقصير والتقاعس الواضحين في حماية ابنهم، والتحقيق الجديّ في قضية الاغتيال وملاحقة المتورطين ومحاسبتهم، داعياً السلطة إلى تقديم مذكرة احتجاج للسلطات في "صوفيا" على تقصيرها في حماية عمر الذي يعتبر أحد مواطنيها، لكونه يحمل الجنسية البلغارية. وبُعيد الاغتيال؛ أدانت رئاسة السُلطة جريمة مقتل المناضل النايف التي وصفتها بـالنكراء"، في حين قرّرت تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات ما حدث.

وكشفت مصادر خاصّة بحسب"الاستقلال" عن أن لجنة التحقيق المُشكلة وصلت يوم أمس للعاصمة البلغارية صوفيا، مبينة أن لجنة التحقيق برئاسة وكيل وزارة الخارجية تيسير جرادات ستعلن يوم الاثنين المقبل نتائجها .

النائب العام البلغاري  اوضح إن النايف وجد في حالة حرجة، وأنه نُقل حيًا إلى المستشفى ولفظ أنفاسه داخل سيارة الإسعاف"
من جانبه، قال الأمين العام لوزارة الداخلية البلغارية إن عملية التشريح هي التي ستكشف سبب الوفاة.
جريمة تثير التساؤلات

بدورها حمّلت الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتهم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الاحتلال المسؤولية الكاملة عن اغتيال الأسير المحرر عمر النايف داخل سفارة فلسطين في بلغاريا، معتبرةً أن هذه الجريمة تفتح الباب مشرعاً لأسئلة عدة.

وقال مدير المكتب الإعلامي في حركة الجهاد داود شهاب: "إن من أعطى الأمر باغتيال النايف هو ذاته "رأس الإرهاب" الذي يقتل شبابنا وأطفالنا ويأمر بإطلاق الرصاص عليهم وهم جرحى أو أسرى ملقون على الأرض، والمتمثّل بالاحتلال الإسرائيلي. وأضاف في تصريح صحفيّ أن هذه الجريمة تفتح الباب مشرعاً لأسئلة عدة، عما يحدث في سفاراتنا في أوروبا وغيرها . وماذا يفعل السفراء والموظفون ورجال الأمن فيها ؟، وهل التنسيق الأمني وصل هناك ولعب دوره في ملاحقة أبنائنا ومناضلينا في منافيهم ؟".
الجبهة سترد

من جانبه، "أبو أحمد فؤاد" نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حمَّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الأولى وراء اغتيال المناضل "عمر النايف"، مشدداً على أن هذه الجريمة لن تمر بدون عقاب، وأن جبهته سترد "على هذه الجريمة بالطريقة التي تراها مناسبة".

وقال فؤاد لـ"الاستقلال": "نحن لا زلنا نتابع هذه الجريمة التي نُحمل المسؤولية الأولى فيها للعدو الصهيوني، الذي رتّب لتصفية الرفيق النايف واغتياله بالطريقة التي تمت،  كما أنّنا نحمل المسؤولية للسفارة وللأمن الفلسطيني فيها على اعتبار أن "النايف" كان موجوداً بداخلها، وكان عليه أن يعمل على حمايته، وضمان سلامته".

وكشف عن أن الجبهة الشعبية ستشارك في لجنة التحقيق التي شكلتها رئاسة السلطة في رام الله، للوقوف على ملابسات الجريمة، والوصول إلى نتائج الاغتيال الحقيقة.

وقال نائب الأمين العام للجبهة الشعبية: "إنه على ضوء النتائج التي ستصل إليها اللجنة خلال التحقيقات سنحدد موقفنا السياسي والتنظيمي، ونعلن من هي الجهات المتورطة والمسؤولة عما جرى، سواء على صعيد الأجهزة الأمنية أو السياسية والدبلوماسية في السلطة".

وينحدر الشهيد "النايف" من بلدة "اليامون" غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، واعتقل عام 1986 بذريعة مشاركته في تنفيذ عملية قتل مستوطن في مدينة القدس مع رفيقيه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، شقيقه حمزة وصديقهما سامر المحروم، فيما أطلق سراح شقيقه حمزة ضمن صفقة وفاء الأحرار، وجرى إبعاده خارج فلسطين المحتلة. وعقب ذلك، تمكن من الهرب من المستشفى في 21 مايو/أيار من العام 1990، وتحرير نفسه، ثم اختفى حتى خرج من فلسطين، وعاش في دول عربية عدّة إلى عام 1994، حيث سافر إلى بلغاريا واستقر هناك، وتزوج ولديه ثلاثة أطفال، وتحمل زوجته وأولاده الجنسية البلغارية ولديه إقامة دائمة هناك.

يُذكر أن "الموساد" تورَّط في عمليات اغتيال كثيرة للعديد من القادة والشخصيات الفلسطينية البارزة أمثال: خليل الوزير، وغسان كنفاني، وصلاح خلف، والقادة الثلاثة في بيروت: كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، إضافة إلى عصام السرطاوي في باريس، والأمين العام الأوّل والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي د. فتحي الشقاقي في مالطا، والقيادي في حركة "حماس" محمود المبحوح في دبي، وغيرهم.

حرره: 
س.ع