يعبد ونابلس.. بين الأمن والقضاء!

بقلم: 

الحديث عن السيطرة على الأوضاع في يعبد ونابلس سابق لأوانه، وهو محاولة ركيكة لطمأنة الناس بأن الدم المسفوح كافٍ لتفرض الدولة هيبتها، وهو أيضًا حديث متأخر جدًّا، كحال السياسة في بلدنا، المعتمدة على رد الفعل، باعتباره الحل الافضل لكل إشكال.

وهناك حديث ركيك آخر عن دور مزعوم لـ"رمضان" في كثير مما يحدث، وكأننا شعب من الحمائم الوادعة في كل السنة، حتى إذا جاء هذا الشهر، انقلب الناس شياطين وعصابيين بفعل الصيام، وهي سانحة لكل من يحبون أن يعزفوا على هذا الوتر النشاز. مع العلم أن كثيرًا من المشاكل تحدث مساء، حيث لا جوع ولا عطش.

وثمة معزوفة بائسة تبرّئ الاحتلال مما فعلته أيدينا، وأن ما يحدث هو حصاد فعالنا وحدنا، وهي معزوفة حمقاء؛ فكل ما نحن فيه سببه الاحتلال، سواء بحضوره المباشر البشع، أو باستطالات أذرعه، أو الثقافة التي عمل على تعميمها، أو السلوك الذي أتاح له أن ينمو ويتغوّل.

ما حدث في يعبد تتحمل مسؤوليته المباشرة المنظومتان الأمنية والقضائية.

أما المنظومة الأمنية، فلنكوصها عن التدخل لمعالجة إشكال ينمو ببشاعة منذ عامين، هما عمر هذه الأزمة، التي تخبو وتستعر، حتى انفجرت بثلاثة قتلى وجرحى كثر.

وأما القضائية، فلأن ثقة الناس في هذا الجهاز متضعضعة؛ إذ يرى كثيرون أن اللجوء إلى القضاء لا يحل إشكالاً، بل يطيل أمده، حتى يمل المتقاضيان، ويضطرا للجوء لوسائل أخرى لحسم خلافاتهما

لا يعقل أن تظل قضايا عالقة في المحاكم سنوات دون حل، ونطلب من الناس الثقة بأن القضاء سينصفهم! للناس أعين وآذان؛ يشاهدون قضايا تذوب في الأدراج، ويسمعون حكايات مظلومين ما زال ظلاّمهم طلقاء بانتظار بتّ في قضاياهم، لم يأتِ بعد!

أما ما حدث في نابلس، فإن السلاح المنتشر ببذخ هناك، يؤشر إلى أن كل محاولات الطمأنة بأن الأمور تحت السيطرة هي مجرد أحلام، أو تعمية على واقع يدركه أهل البلد، وهذا السلاح سينفجر يومًا ما، لا في وجه الاحتلال، بل في وجوهنا!

العنف موجود في كل العالم، حتى في الدول التي نراها نماذج نطمح لأن نصبح مثلها يومًا ما، ولكن بنسبة أقل، لأن هناك وعيًا بأهمية التعامل الأمني القَبلي، الذي يرصد الأحداث ويتحرك بناء عليها، لوأد كل جريمة قبل وقوعها، وكذلك التعامل البَعدي، الذي يتحمل القضاء النزيه والحاسم مسؤوليته، وهاتوا لي سفيهًا أمِن العقوبة فلم يسئ الأدب! ولن أغفل هنا الثقافة العامة التي تنتج عن عوامل عدة، تساهم فيها المنظومة التربوية، والقوانين التي تصقل هذه الثقافة حتى تتحول إلى ممارسة يومية ونمط حياة.

المفارقة المرعبة هنا أننا، كشعب منقسم، ماهرون، كل في منطقة نفوذه، في كبح كل محاولات "زعزعة الأمن الداخلي" من الطرف الآخر، ولا تتوقف الأجهزة الأمنية في شقيْ الوطن عن ضبط خلايا نائمة هنا وهناك!

أما السخرية في غير وقتها، فتأتي بها بيانات فصائل وأحزاب وجهات ومؤسسات، تشعر أنها نائمة أبد الدهر، وتنتظر حدوث خطب ما، بل تستجديه، حتى تصدر بيانًا، لتدين أو تستنكر أو تستهجن أو تدعو. هذه الجهات مثيرة للشفقة!