تقدير موقف..قراءة في مصير الانتخابات المحلية بعد قرار التأجيل

إعداد

 أشرف بدر، حمدي "علي حسين"، ريما شبيطة، عايدة الحجار
 

توالت ردود الأفعال الفلسطينية الفصائلية والمؤسسية في أعقاب الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، والقاضي باستكمال إجراء انتخابات الهيئات والمجالس المحلية في الضفة الغربية وتعليقها في غزة، استنادًا إلى حيثية رئيسية تتعلق بعدم قانونية المحاكم في القطاع[1].

وكانت المحكمة أصدرت قرارًا في 8 أيلول/سبتمبر الماضي يقضي بوقف إجراء انتخابات الهيئات والمجالس المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة "مؤقتًا"؛ حتى تنظر في الدعوى المرفوعة من بعض الأطراف بعدم قانونية إجراء الانتخابات، لاستثنائها مدينة القدس، وعدم وجود أجسام قانونية في غزة، لتعود المحكمة ذاتها وتصدر قرارًا يقضي بتأجيل النظر في قضية الانتخابات.

ويوم 3 تشرين الأول أصدرت المحكمة قراراها القاضي بأنه "لا توجد شرعية دستورية ولا قانونية للمحاكم في قطاع غزة، وأن الحكومة في رام الله لها الحق في اتخاذ أي قرار بشأن إجراء الانتخابات من عدمه في غزة، وفي الوقت الذي تراه مناسبًا، وفقًا للظروف التي تضمن إجراءها وفق القانون". واستند القرار إلى "المادة 291 من قانون أصول المحاكمات المدنية في الجلسة التي ترأسها القاضي هشام الحتو، بعد تقديم طعون في شرعيتها في وقت سابق".[2]

في ضوء ذلك، قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في اليوم التالي، وبتنسيق كامل مع الرئيس محمود عباس، تأجيل إجراء انتخابات الهيئات المحلية في كافة أرجاء الوطن لمدة أربعة أشهر، بحيث يتم خلال هذه الفترة العمل على توفير البيئة القانونية والقضائية الملائمة لضمان إجرائها في كافة المجالس المحلية الفلسطينية في يوم واحد[3].

بعد قرار الحكومة، عقدت القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة اجتماعًا عبّرت خلاله عن أسفها الشديد لكافة التداعيات والملابسات التي أدت إلى تأجيل الانتخابات المحلية التي كانت مقررة في 8 تشرين الأول، ورأت في ذلك انكسارًا لآمال وطموحات المواطنين الذين اعتبروا نجاح إجرائها مدخلًا لاستعادة الحقوق الدستورية للمواطنين. كما سيفتح الطريق أمام إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني بما يحقق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وقالت اللجنة: "إن القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة وهي تستشعر المخاطر المتفاقمة التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية، ترى أن ما رافق العملية الانتخابية من تداعيات أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه جاءت لتؤكد عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي يستدعي معالجة فورية وجادة لهذه الأزمة، وخلق المناخات المناسبة لإجراء الانتخابات العامة".

وأكدت على تمسكها بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة دون استثناء، مطالبة الرئيس بإطلاق حوار وطني فلسطيني جاد ومسؤول يقود إلى إنجاز المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ومعالجة أزمة النظام السياسي الفلسطيني برمته، بما يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها على مختلف الصعد باعتبارها قضية تحرر وطني تتطلب وحدة المكونات السياسية كافة، بما يضمن مواجهة مختلف التحديات والمخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي[4].

 

قرار سياسي أم قانوني؟!

تعمق الجدل حول عدم دستورية وقانونية المحاكم الموجودة في غزة عقب الطعن في قوائم انتخابية تابعة لحركة "فتح" في قطاع غزة. وبالرغم من توقيع الفصائل في غزة على "ميثاق شرف" أعدته لجنة الانتخابات المركزية، وينص على اللجوء إلى محاكم غزة في حال الاعتراض، إلا أن حركة فتح رفضت قرارات هذه المحاكم بشطب بعض قوائمها، ولجأت إلى محكمة العدل العليا في رام الله. ويبدو أن حركة "حماس" لم تتوقع أنّ يصدر عن المحكمة مثل هذا القرار، لذلك تشبثت بموقفها، ورفضت عرضًا تقدمت به حركة فتح بسحب القضية في "العليا" مقابل سحب الطعون المقدمة، كما صرح بذلك الناطق باسم حركة فتح فايز أبو عيطة[5].                

فتح حكم المحكمة العليا الباب أمام تساؤلات عديدة حول قانونية الوضع الفلسطيني بشكل عام، والقرارات الصادرة عن المحكمة العليا بشكل خاص. ففي الوقت الذي يُعلن فيه بشكل سياسي رسمي عن نية إجراء الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع بتوافق بين الفصائل بصرف النظر عن القانون، جاء قرار المحكمة ليحمل في طياته تساؤلات كبيرة حول مدى قانونية ما يجري على الساحة الفلسطينية. فالحكومة شُكّلت أصلا كنتيجة لحوار بين الفصائل على أساس الوفاق الوطني، وحملت هذا الاسم، دون عرضها على المجلس التشريعي، رغم أن هناك من اعتبر ذلك غير قانوني، إضافة إلى قرار إجراء الانتخابات الذي اتخذ دون تشاور مع أي من الفصائل، لكنه حظي بدعمها جميعًا، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، بعيدًا عن أي نصوص قانونية، حيث بدا كأن هناك توافقًا وطنيًا داعمًا لإجراء الانتخابات في ظل الوضع الخاص الذي تشهده الساحة الفلسطينية والناتج عن الانقسام؛ لذلك اعتُبر اللجوء لاحقًا إلى القانون محاولة لتوظيف القضاء والمحاكم لخدمة أغراض سياسية.

وقد اعتبر مركز "حماية" لحقوق الإنسان قرار المحكمة العليا بإجراء الانتخابات في الضفة دون القطاع انتهاكًا للقانون الأساسي، وتعطيلًا لحق منصوص عليه. وأشار المركز في بيان نشره على موقعه الرسمي إلى أنّ "القرار من شأنه أن يكرس الانقسام الفلسطيني الموجود، خاصة أن الواقع قائم على إشكاليات قانونية بحاجة إلى استدراك كلي يطال مؤسسات الرئاسة والتشريعي والحكومة، معتبرًا أن التطرق إلى موضوع الشرعيات في ظل الواقع غير القانوني الذي يسود الأراضي الفلسطينية تكريس لحالة الانقسام الموجودة وإقرارها.

وشدد المركز على أحقية المواطنين في المشاركة في العملية الانتخابية وتكريس حريتهم في الترشح والانتخاب، منوهًا إلى ضرورة إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع كخطوة أولى في سياق إعادة اللحمة والبناء الوطني، وعدم مصادرة الحق الدستوري لمليوني مواطن في القطاع بالمشاركة السياسية وحق الانتخاب. كما دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تنال الثقة من المجلس التشريعي، وأداء اليمين القانونية أمام الرئيس، للعمل من أجل إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات العامة".[6]

بذلك، بدا كأن القضاء قد تحول إلى حلبة للصراع السياسي، حيث ادعى البعض أنّ اللجوء إلى استصدار قرار المحكمة جاء على خلفية الشقاق الفتحاوي الداخلي، وقلق السلطة من تصاعد التوتر مع تيار محمد دحلان في ضوء تدخل "الرباعية العربية" لتحقيق مصالحة فتحاوية، بالإضافة إلى الخشية من التنظيم الجيد لحركة حماس في غزة، الذي ظهر في الحملات الإعلانية الكبرى وغيرها. وربما يرجع ذلك أيضًا إلى ضغوطات متعددة مورست على الرئيس من قيادات وكوادر في حركة فتح لكي يؤجل الانتخابات، إلى جانب ضغوط مارستها أطراف عربية لتأجيل الانتخابات بهدف إبعاد التيارات الإسلامية عن الحياة السياسية، وفق بعض وكالات الأنباء.

سواء كان القرار صحيحًا من الناحية القانونية أم لا، فإنه على كل الأحوال يشير إلى فشل المقاربة التي تنطلق من اعتبار الانتخابات هي المدخل لإنهاء الانقسام. كما ينسف دعوة الرئيس محمود عباس التي نقلت إلى حركة "حماس" عبر الوسطاء القطريين والأتراك، كما صرح عزام الأحمد، مسؤول ملف المصالحة في "فتح"، للقبول بإنهاء الانقسام عبر التوجه مباشرة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، في حالة عدم التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يتم حل القضايا العالقة بين الطرفين بعد ظهور نتائجها[7].

ويمكن الاستنتاج من تجربة الإخفاق في إجراء الانتخابات المحلية، أن التمسك بالموقف الذي يعتبر أن الانتخابات هي مفتاح إنهاء الانقسام، وترحيل التفاهم على بقية القضايا المتعلقة بالانقسام بين الطرفين إلى ما بعد الانتخابات، إنما يهدد بتوسيع شرخ الانقسام الفلسطيني بعد مرور 9 سنوات عليه، لا سيما أن إجراء الانتخابات في ظل الوضع الراهن قد يفضي إلى "شرعنة" الانقسام، وتحوله إلى انفصال مؤسسي. وفي نهاية المطاف، بدلًا من أن تشكل الانتخابات المحلية نموذجًا يمهد لإجراء الانتخابات العامة، حسب رهان البعض، جاء قرار المحكمة بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة دون القطاع ليعيد الجميع إلى المربع الأول للانقسام.

 

مواقف الأطراف المختلفة

عبر العديد من المؤسسات والفصائل والأحزاب عن موقفه حيال قرار المحكمة العليا، فانقسمت المواقف بين معارض للقرار واعتباره خطوة في طريق تعميق الانقسام وتغلغله في المجال القضائي، إضافة إلى الجانب السياسي، وبين من دعا إلى تأجيل إجراء الانتخابات إلى حين تهيئة الأجواء المناسبة لانعقادها، وهناك من رحب بالقرار واعتبره خطوة في طريق تحقيق الديمقراطية.

حركة "فتح"، وعلى لسان الناطق باسمها أسامة القواسمة، أعربت عن عدم سعادة الحركة بالقرار، وحمّلت "حماس" مسؤولية وصول الأمور إلى ما وصلت إليه نتيجة إسقاط المحاكم التابعة لها في القطاع عددًا من قوائمها[8].

من ناحية أخرى، أجمع العديد من الفصائل (الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والمبادرة الوطنية وحزب الشعب، وجبهة النضال) على أن هذا القرار يؤدي إلى تعميق ومأسسة الانقسام الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني شعب واحد لا يجوز التفرد بمصيره أو تقسيمه من أي جهة كانت، مع الدعوة إلى تأجيل الانتخابات إلى حين خلق مناخ ديمقراطي والابتعاد عن التسييس المبالغ فيه. وحث بعض هذه الفصائل الحكومة على التشاور والحوار الفوري مع كافة الأطراف، معتبرًا أن دوافع القرار سياسية، وأنه كان من الممكن معالجة كافة الإشكاليات الخاصة ببعض المواقع دون إلغاء الانتخابات في قطاع غزة بكاملها[9].

حركة "حماس، عبرت عن موقفها ببيان صحافي أعربت فيه عن صدمتها من القرار المفاجئ للمحكمة العليا بإجراء الانتخابات في الضفة فقط، واعتبرته قرارا مسيّسًا يكرس حالة الانقسام، ويعكس حالة التمييز التي تمارسها المؤسسة الرسمية والقضائية في الضفة تجاه القطاع. وأعلنت عن رفضها قرار المحكمة لأنه يمارس التجزئة بين أبناء الشعب الفلسطيني، ودعت لجنة الانتخابات المركزية إلى عدم تطبيق هذا القرار[10]. كما طالب موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، الجميع برفض إجراء الانتخابات في الضفة دون غزة[11].

أمّا لجنة الانتخابات المركزية، فقد أوصت في رسالة موجهة إلى الرئيس عباس بتأجيل الانتخابات وعدم عقدها بحسب ما نصّ عليه قرار المحكمة العليا، وإجرائها بعد ستة أشهر بعد أن يتم ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، ومعالجة الأنظمة والقوانين، بما يتناسب مع المصلحة العليا للشعب الفلسطيني[12].

السيناريوهات المستقبلية المتوقعة

أولًا: تأجيل الانتخابات تمهيدًا لإلغائها

ويستند هذا السيناريو إلى فرضية إعلان الحكومة بعد انتهاء مهلة الأشهر الأربعة أنّها لم تستطع تصويب الأوضاع القانونية لمحاكم غزة، وبالتالي تعلن عن إلغاء إجراء الانتخابات، سواء في الضفة، أو القطاع، بذريعة أنّ إجراءها في الضفة دون القطاع تكريسٌ للانقسام.

ثانيا: إجراء الانتخابات في الضفة مع تعيين مجالس غزة

يتضمن هذا السيناريو الأخذ بقرار المحكمة وإجراء الانتخابات المحلية في الضفة دون القطاع، ومحاولة إجراء تعيينات في الهيئات المحلية في القطاع، وفق ما دعا إليه محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح[13]، وهي خطوة من المشكوك أن توافق عليها "حماس".

من المرجح في هذا الحالة أن تتم مقاطعة هذه الانتخابات من قبل حركة حماس، وقد تنضم إليها فصائل عدة، بحيث تبدو حركة فتح كأنها تنافس ذاتها في انتخابات لا وجود لمنافسين ذي وزن فيها.

 

ثالثا: التوافق على إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع

يقوم هذا السيناريو على إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع استنادًا إلى إعادة تشكيل المنظومة القضائية في القطاع، أو عبر حضور مراقبين تختارهم السلطة، أو من خلال تشكيل محكمة خاصة بقضايا الانتخابات تتولى صلاحية البت في الطعون، بعد إدخال تعديلات على قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية الذي ينص على أن تقدم الطعون أمام محاكم البداية. غير أنه من الصعب موافقة "حماس" على ذلك في ضوء رفضها قرار المحكمة العليا، وبالتالي عدم القبول بأي خطوات تنطلق من اعتبار المؤسسات التابعة لها غير شرعية، وبخاصة القضاء والمحاكم، ما لم يندرج كل ذلك في سياق تحقيق اختراق في ملف المصالحة.  

خاتمة

بالرغم من أن سيناريو التوافق الوطني على إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع بعد تذليل العقبات هو المفضل، إلا أنه الأضعف والأقل ترجيحًا من بين السيناريوهات المطروحة لأسباب عدة، من أهمها تغليب النظرة الفئوية للأطراف المتصارعة على حساب المصلحة العامة. وربما يكون سيناريو إجراء الانتخابات في الضفة دون غزة هو الأرجح، مع عدم استبعاد سيناريو إلغاء الانتخابات بشكل كامل.

معد الدراسة: 
مركز مسارات