انتصر الرئيس، انتصر دحلان، انتصرت حماس وانهزمنا

بقلم: 

لا أخفي دهشتي حين أرى تأييدا مطلقاً للرئيس عباس من "غزي/ غزاوي"، أعرف سببين لهذا التأييد، أولهما كرهاً في حماس التي تحكم القطاع، وثانيهما الراتب!
لا أفهم كيف لا يرى هذا المؤيد رئيسه يأخذ غزة رهينة لسياساته الداخلية والخارجية، ولتكن مسألة المعابر نموذجاً: كم مرة طرح مسألة معبر رفح مع مصر- اعتبره موضوع سيادة مصرية لا نتدخل فيه؟ كم مرة وضع مسألة عبور الغزيين عبر الأردن على طاولة البحث مع الأردنيين؟ - أيضا اعتبرها مسألة سيادة أردنية ونحن لا نتدخل في شؤون العرب؟ كم مرة تحدى إسرائيل ليس لرفع الحصار، بل بالحدود الدنيا تسهيل حركة المواطنين وتحديدا المرضى على حاجز "ايرز"؟
هو تركهم رهائن سجن كبير كما فعلت حركة حماس التي خاضت حروبا ثلاثة بدمائهم، ثم شكرتهم كلامياً واستمرت في ذات نهج التضييق عليهم في لقمة عيشهم- الضرائب نموذجاً، توزيع الأراضي نموذجا آخر، ومساومات الخروج من المعبر نموذجا ثالثاً
أما محمد دحلان، عضو المجلس التشريعي المعطل، وعضو مركزية فتح المفصول، فهو أيضا أخذ أهل القطاع رهينة احتياجاتهم الأساسية والإنسانية وبحثهم عن أي منقذ يعيد لهم الأكسجين الذي يساومهم عليه الرئيس وحماس.
دحلان ليس طارئا على القطاع، له بصمته – التي نذكرها جيدا- في ترسيخ عقيدة أمنية تجاوزت ما تم الاتفاق عليه في أوسلو من تنسيق أمني وتجاري، ليصل لغرف نومنا، ومنذ ذلك الحين، لم أسمع عن مشروع سياسي قدمه دحلان لنختلف أو نتفق حوله "أقصد المشروع"، مشروعه برأيي هو أوسلو وأسوأ قليلاً.
حاليا تنشغل "أغلب" مكونات الشعب الفلسطيني في متابعة الصراع بين الرئيس وخصمه- شريكه القديم- وأقول انشغلت بالفرجة لأنها تعتبر الصراع فتحاوياً خالصاً، تماماً كما تعاطت أغلب المكونات مع حصار قطاع غزة، فهو شأن غزي محض وبالتالي نتضامن معه اهل القطاع، ولا تحرك ساكناً لرفعه!
لماذا لم نتحرك؟ هل هو الخوف؟ الخوف من الاعتقال والتنكيل؟ أم هو الخوف على لقمة العيش؟ أم هو ذكاء شعب جربهم جميعاً ويخشى أن يكون البديل أسوأ؟
ثلاثتهم يدركون أن الفلسطينيين- في غالبيتهم- (لن يكونوا حطب المعركة)، وثلاثتهم قرروا الاستقواء بالخارج لتغيير معادلات الداخل، وهذه استراتيجية ليست جديدة ولم يبتدعها دحلان، بل جذرتها حماس وفتح في استقوائهما على بعض في معركة الانقسام الذي قارب على العقد، فتح استقوت بالرباعية الدولية وشروطها (أمريكا، أوروبا والأمم المتحدة، وروسيا)، والمخصصات المالية التي تمنحها، وحماس استقوت تارة بإيران وتارة بقطر وتركيا، وكل الوقت بالإخوان.
الاستقواء بالرباعية العربية مسمار جديد ليس الأول ولن يكون الأخير يدق في نعش "استقلال القرار الفلسطيني".  برأيي هذا ما يجب أن نحارب لأجله، وليس لأجل شخوص، واستقلال القرار سيعيدنا للمربع الأول لمعركتنا الوطنية في التحرر، مربع عدم استعداء أي قوى عربية وعدم التدخل في شؤونها، كانت فلسطين مصدر وحدة العرب وستبقى- إن أحسنا إدارة معركتنا- وحفظنا خيط فاصل بين دعمهم لنا وتدخلهم بنا. 
ما الجديد فيما كتبت؟ لا جديد، فقط هي الأسئلة تتجدد، على شاكلة ماذا فعلت القيادة لتحصين الجبهة الداخلية لمنع التدخلات والأجندات الإقليمية والدولية من فرض نفسها؟ لماذا توزيع الاتهامات وتكميم الأفواه وزيادة الأعباء الاقتصادية على شعب "مفترض أن يتم تعزيز صموده" لمواجهة الاحتلال؟ والحصار والفساد؟ لماذا لا تتم مراعاة معالجة المشكلات اليومية ذات الأولوية للناس دون رهنها بحلول سياسية داخلية لإدارة الانقسام الذي لن ينتهي قريباً؟ من سيتصدى لمشروع نتنياهو/ليبرمان المتجدد ونحن منشغلين بسوء إدارة انقسامنا وسوء إدارة خلافاتنا الداخلية؟
والأسئلة ليست موجهة فقط للثلاثة الذين اختصهم المقال، بل أيضاً لليسار ولليبراليين المتفرجين والمنتظرين لمن سيحسم المعركة!
أنا مثل الكثيرين من شعبنا، لا أمتلك إجابات للسؤال الأهم، ما هو المشروع الوطني المتفق عليه لأدافع عنه، أنا مثلكم، اخترت أن أنأى بنفسي عن "الجماعات"، واخترت أن أدافع عن وحدة النسيج المجتمعي، واخترت أن أدافع عن غزة وحقها في الحياة- قضايا صغيرة- قد تراكم تحصيناً شعبيا، وقد تشكل اختراقاً في وجه التحديات متعددة الأوجه. انا مثلكم لا أمتلك إلا صوتي وقلمي، وبعض أمل أوجه بهم الهزائم المتكررة.
نعم انتصر ثلاثتهم على غزة "الرهينة"، وانهزم الوطن وانهزمنا

*رئيسة تحرير شبكة www:nawa.ps