ذكرى الراحل : التمسك بالعرفاتية

بقلم: 

تمر ذكرى الراحل ياسر عرفات ، أبو الهوية الوطنية الفلسطينية الذي نجح مع رفاقه من مؤسسي فتح وقياداتها ، على إستعادة الهوية الفلسطينية وترسيخ حضورها على أثر الانجاز الثاني الذي حققته حركة فتح ، بالحفاظ على مبادرة قيام منظمة التحرير وحصولها على شرعية تمثيلها الاوحد للشعب العربي الفلسطيني عبر العمل الجاد لمشاركة الكل الفلسطيني ، من كافة الاطياف والفصائل والاحزاب والتوجهات والتجمعات الفلسطينية بعد عام 1967 ، وبشكل خاص بعد معركة الكرامة في أذار 1968 ، حتى غدت منظمة التحرير جبهة وطنية عريضة جداً متحدة ، وبمثابة سلطة سياسية لها أدواتها التنفيذية والتشريعية وأحياناً القضائية ، وعلى هذه الارضية من التمثيل والمشاركة الفلسطينية الواسعة إكتسبت منظمة التحرير مكانتها العربية والدولية ، وهذه االحصيلة لم تكن لتتم لولا العقلية الجبهوية التي سادت وقويت بفعل إدارة ياسر عرفات وقيادته الخلاقة ، وسعة صدره وقدرته على كسب الاصدقاء والحلفاء ، وتضييق الحلقة على الخصوم وعزلهم ، وبعد رحيل أبو عمار بات التمسك بالعرفاتية ، كمنهاج عمل ، وأسلوب إدارة ، وعقلية جبهوية وحدوية جامعة ، هي الضرورة وهي الاخلاص لتراثه والتمسك به ، في مواجهة تفوق العدو ومشروعه الإستعماري التوسعي ، وعليه يجب معالجة المستجدات بروحية عرفاتية ، إعتماداً على تراثه الكفاحي ، وكان الدرس الاول نتيجة الصدمة العلاجية الاولى بعد رحيل أبو عمار حينما إنتهت ولاية رئيس السلطة الفلسطينية مع نهاية عام 2009 ، حيث لم يتمكن المجلس المركزي الفلسطيني من تمديد ولاية الرئيس بدون تمديد ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني ، مما يدلل على أن مشروع النظام السياسي الفلسطيني، رغم محدودية سلطاته وسيادته لهذا الوقت بسبب وجود سلطة الإحتلال الاقوى مادياً وعسكرياً وجغرافيا مما يؤكد ان قرار المجلس المركزي الفلسطيني قائم على تلازم شرعية رئيس السلطة مع شرعية المجلس التشريعي ، وهو يعني بوضوح بالغ أن لا سلطة للرئيس على سلطة المجلس التشريعي ، فلكل منهما صلاحياته وأدواره، على قاعدة القانون الاساس، القائم على فصل السلطات والتكامل بينها ، وهذا كان من تراث قانون الرئيس الاول للسلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات.
كما يدلل قرار المجلس المركزي الفلسطيني على أن شرعية رئيس السلطة الفلسطينية وهي أحد أدوات منظمة التحرير بإعتبارها سلطة حكم ذاتي محدود على الارض ، كمقدمة تمهيدية تدريجية متعددة المراحل لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على تراب الوطن – فلسطين – يدلل على أن سلطة الرئيس نفسه مستمدة من قرار المجلس المركزي خاصة بعد أن فقد ولايته القانونية المستمدة من الانتخاب المباشر.
وبالاستناد لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير ، وعليه وجوب الاستخلاص أن قوة ومتانة وشرعية منظمة التحرير القانونية والسياسية والتنظيمية ، قد تم اكتسابها بفعل تراضي وتحالف جبهوي بين مكونات الشعب الفلسطيني ، فصائله وأحزابه وشخصياته وإتحاداته المهنية الشعبية ، لذلك على أصحاب القرار الفلسطيني أياً كان موقعهم التنفيذي أو التشريعي أن يدركوا خلفية من صنعهم ومن أعطوهم الشرعية ومن أكسبهم مكانتهم ، فالقرار السياسي والتنظيمي الفلسطيني يقوم على مبدأ الاغلبية السياسية وليس على القرارات والمصالح الحزبية التنظيمية لهذا الفصيل أو ذاك ، ولرؤية هذا الشخص أو غيره ، فكيف حينما يكون القرار رئاسياً يمس عضوية وشرعية المجلس التشريعي أو أحد النواب المنتخبين مثله مثل الرئيس ، ويعكس عدم القدرة على إدراك وفهم مغزى ومضمون المؤسسة الجبهوية الفلسطينية القائمة على قاعدة الشراكة، وليس على التفرد التنظيمي أو الفردي .
في تاريخ فتح ، كما هو في تاريخ منظمة التحرير ، رفض المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السابعة عشرة عام 1984 ، اتخاذ قرار بحق أحمد جبريل وأبو موسى وأبو خالد العملة، رغم الخلافات والصراعات الدموية التي جرت في البقاع وطرابلس في أعقاب الخروج من بيروت عام 1982 ، مما يدلل على سعة أفق أعضاء المجلس الوطني ، ورئيس اللجنة القانونية الموالي لحركة فتح أنذاك ، وسعة أفق الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقبوله وإنصياعه لقرار المجلس الوطني الذي رفض المس بعضوية أعضاء وقع بينهم وبين أبو عمار وحركة فتح قتال وتصفيات ودماء سالت ، ومع ذلك لم يتخذ المجلس الوطني قراراً يمس بعضوية هؤلاء وغيرهم لأسباب قانونية أولاً ، ولدوافع سياسية تعكس مدى الحرص على عدم المس بمكانة منظمة التحرير كمؤسسة تمثيلية لها أولوية الحرص على بقاء تمثيلها للشعب الفلسطيني مهما تباعدت المسافات أو المواقف أو السياسات .
وحركة فتح كانت الاقوى بكل تأكيد، ولكنها كانت حريصة على أن تبقى عضوية اللجنة التنفيذية شاملة لكل الفصائل والاتجاهات، ولم يكن لحركة فتح داخل اللجنة أكثر من ثلاثة أعضاء ، وهو توجه عكس العقلية الجبهوية الوحدوية ، عقلية الشراكة التي كانت تتمتع بها حركة فتح وفي طليعتهم قادتها الثلاثة ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف ، أرسوا تقاليد وأعراف فلسطينية لم تكن مكتوبة، ولكنها كانت عناوين العمل الفلسطيني الجمعي المسنود بفعل الشراكة الوطنية بين مختلف الفصائل والشخصيات والاتحادات .
وفي ذروة الصراع الدموي ، والخلاف السياسي العميق ، بين حركتي فتح وحماس ، لم تتمكن حركة حماس صاحبة الاغلبية البرلمانية المنتخبة ، والاكثر عدداً وقوة ونصاباً لدى المجلس التشريعي ، وهي إمتداد لحركة الإخوان المسلمين أقوى حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي ، لم تتمكن وأخفقت في نزع الشرعية عن الرئيس المنتخب ، وهكذا سارت الشرعيتان الرئاسية والبرلمانية جنباً إلى جنب حتى يومنا ، تستمد الواحدة منهما شرعية البقاء من الاخرى ، رغم إنتهاء ولايتهما قانونياً ، بعد أن جدد لهما المجلس المركزي الفلسطيني البقاء والديمومة حتى الانتخابات المقبلة الرئاسية والتشريعية .
واليوم حيث التحديات أعظم ، والتراجع اكبر والامال ضعيفة والتخندق مدمر ، وكبريات الفصائل حماس والجهاد خارج منظمة التحرير ، فالامر والتوجه المطلوب، ناهيك عن دوافع المسؤولية الوطنية والحفاظ على ما تبقى من الشرعية المتأكلة ، يُوجب العمل على كسب من هم خارج منظمة التحرير ، وليس تقزيم العمل الوطني وتقليص الشرعية والمساس بها ، على نحو يؤدي إلى أن تتحول منظمة التحرير وسلطتها إلى ما يشبه أنظمة زين العابدين بن علي ، وحسني مبارك ، وعلي عبد الله صالح ، ومعمر القذافي ، أنظمة اللون الواحد ، والحزب الواحد ، بل والشخص الواحد الاوحد .
قرارات نزع الشرعية ، لم تقبل بها حركة حماس ولا حركة الجهاد علناً، لأنهما شركاء بالعمل الكفاحي، وما مبادرة الدكتور رمضان شلح ونقاطه العشر سوى تعبير عن هذا الحس بالمسؤولية، رغم فجوة الخلافات السياسية بينه كقائد سياسي لفصيل فلسطيني ، وبين مؤسسات منظمة التحرير وفصائلها ، ولذلك أعلنت حماس والجهاد موقفا ضد نزع الشرعية عن أي كان ، من أعضاء المجلس التشريعي ومعهما فصائل اليسار الفلسطيني الثلاثة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب ، لأن القرار غير مسنود سياسياً وقانونياً وأن لا صلة له بأي خلاف سياسي جوهري ، بين الرئيس من جهة والنائب محمد دحلان من جهة ثانية ، إضافة إلى نواب أخرين ، مسهم أو قد يمسهم القرار ، ولأنه يمس بشرعية ولاية المجلس التشريعي ، وعضويته المرتبطة والمتداخلة مع شرعية الرئيس ، وأي مساس بشرعية المجلس التشريعي ستنعكس مباشرة على شرعية الرئيس نفسه ، فلماذا هذا الاستعجال ؟ لماذا هذا العناد ؟ ولماذا هذا التجاوز عن القوانين وعلى الشراكة الوطنية ؟؟ .