فزاعة حماس ودحلان وقطع الرواتب

بقلم: 

إن كانت القاعدة العريضة من حركة فتح بل ومن الشعب الفلسطيني معنية باستنهاض حركة فتح وتعمل على ذلك، فإن جماعات مصالح تناصب العداء لهذا التوجه وتعمل كل ما من شانه تشويه الحركة وإعاقة استنهاضها، وهي في ذلك لا تتورع عن استعمال عدة وسائل – سبق الإشارة لها في المقال السابق – ومنها فزاعة التآمر على حركة فتح والرئيس وما يترتب عليها من طرد من الحركة وقطع للرواتب.

بداية، يجب الإقرار بوجود تضخيم لموضوع قطع الرواتب ومحاولة استغلاله من البعض للإساءة إلى حركة فتح والرئيس أبو مازن، ومن جهة أخرى لا نبرئ كل الذين تم فصلهم أو تم قطع راتبهم، فبعضهم تجاوز الخطوط الحمر الفتحاوية والوطنية ومارس ما يستحق ذلك.

ولكن تمت المبالغة في قطع الرواتب بحيث طالت كثيرين لمجرد الشبهة، أو لأمور كيدية من نخبة السوء، مع العلم أن كثيرين من أفراد هذه النخبة ينسقون ويتواصلون سرا وعلنا مع حركة حماس ومحمد دحلان، بل ويتآمرون على الرئيس أبو مازن وعلى حركة فتح ليضمنوا الحفاظ على مصالحهم مع جميع الأطراف وليحافظوا على خط الرجعة مع من سيتولى السلطة بعد الرئيس.

فما أن ينتقد مواطن مراكز القوى المهيمنة أو يكشف فسادها وخروجها عن الخط الوطني وعن نهج حركة فتح الوطني أو يمارس حقه بإبداء الرأي بما يخالف الموقف الرسمي حتى يتم اتهامه بأنه يتآمر على حركة فتح والرئيس وينسق مع حركة حماس أو مع محمد دحلان! وبالتالي يصبح معرضا إما للفصل من حركة فتح أو قطع راتبه.

حركة فتح وكما ذكرنا سابقا ليست مجرد حزب من الأحزاب، والانتماء لها والدخول فيها أو الخروج منها يختلف عن الآلية المتبعة في الأحزاب السياسية الصغيرة، وتاريخيا فإن كل فلسطيني وعربي يمكنه أن يكون فتحاويا بمجرد أن يعلن عن ذلك ويعبر عن انتمائه للوطنية الفلسطينية ويحمل السلاح دفاعا عن فلسطين وعن حركة فتح الفكرة، ولم يكن واردا مسالة الراتب أو الوظيفة بل كان المناضلون يدفعون من جيوبهم للحركة. وفي حركة فتح لا قيد أو حجّر على الانتماء السياسي وعلى حرية الرأي والتعبير والمعتقد، فالتنوع الفكري والإيديولوجي هو ما ميز حركة فتح وساعدها على الانتشار واستقطاب كل فئات الشعب ما دام في إطار الالتزام الوطني.

لأن الحركة ليست مجرد حزب كبقية الأحزاب لذا لا يستطيع أحد تجريد الفتحاوي من فتحاويته، لأن الانتماء لفتح انتماء للوطنية وليس مجرد عضوية في حزب أو راتب، إلا إذا قرر الفتحاوي التخلي عن حركة فتح. تجريد أو طرد الفتحاوي من وظيفة يشغلها في التنظيم يجب أن يخضع للنظام الداخلي للحركة، وقطع راتبه أو طرده من وظيفة حكومية يجب أن يخضع لقانون الوظيفة العمومية.

من هذا المنطلق فإن الذين وظفوا بداية فزاعة العلاقة بحماس وبعدها  بمحمد دحلان ويكتبون التقارير للرئيس ويحرضونه ليطرد من الحركة والوظيفة مَن يرون هم أنهم موالون لحماس أو دحلان أو يقطع رواتبهم إنما يسيئون لحركة فتح ويحولونها إلى تنظيم راتب ووظيفة ، كما يقللون من قيمة الرئيس ، ويحولونه من رئيس لكل الشعب الفلسطيني وأب لجميع أبناء الشعب الفلسطيني فتحاويين وغير فتحاويين ، بما فيهم العاصين والمعارضين لنهجه إلى رئيس جماعة أو حزب سياسي مهزوز وغير واثق بنفسه يرعبه انتقاد هنا أو سلوك مشين للبعض هناك أو حرق صورته من قِبل صغار غاضبين أو مُغَرر بهم .

نعم، من حق الجميع انتقاد بعض سياسات الرئيس ويمكن تحميله قدر من المسؤولية عن التعثرات والمآزق المتعددة والمتراكمة للنظام السياسي – منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح، ولا شك أن كل الشرعيات السياسية الدستورية ملتبسة في الحالة الفلسطينية، ولكن من غير المقبول التطاول على الرئيس بما يقلل من هيبته وقيمته أو الطعن بشرعيته من أية جهة كانت، خصوصا أن هذا الطعن والتشكيك يتم توظيفه من طرف إسرائيل لتبرر مقولتها بعدم وجود شريك فلسطيني أو رئيس قوي يمكن التفاوض معه، أيضا مهين لنا أمام العالم الخارجي.

الرئيس أبو مازن ما زال رئيسا لكل الشعب الفلسطيني لأنه رئيس منظمة التحرير ورئيس للسلطة منتَخب من الشعب، ورئاسة الشعب تسمو على كل الرئاسات الأخرى، وبصفته رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هو رئيس كل أبناء حركة فتح ورئيس كل أبناء فصائل منظمة التحرير ورئيس أبناء حركة حماس وأبناء حركة الجهاد الإسلامي ورئيس أبناء غير المنتمين لأحزاب، والمُفترض والواجب بناء على ذلك أن يتسع قلبه للجميع.

إلا أن جماعات المصالح تأبى إلا أن تُحَول الرئيس لرئيس سلطة ضعيفة أو مجرد رئيس جماعة، ليقولوا له نحن جماعتك والآخرون أعداؤك! . وفي هذا السياق فإن قطع الرواتب تحت ذريعة معارضة سياسة الرئيس أمر خطير ويسيء للرئيس، ولا ندري كيف أقنعت بطانة السوء الرئيس بأن سياسة قطع الرواتب تعزز من هيبة الرئيس أو تحد من قوة معارضيه؟ . نعتقد أن أغلب الذين تم قطع رواتبهم يحترمون الرئيس أبو مازن وليس لهم مشكلة معه، ولكنهم ضد سلوك بعض المتنفذين وبعض قادة التنظيم ومشاكلهم مع هؤلاء وليس مع الرئيس، إلا أن المُغرضين وغير الحريصين على حركة فتح يحولون حالة الغضب عليهم وكأنه رفض للرئيس وسياساته.

إن قطع الرواتب على خلفية حرية الرأي والتعبير أو كسياسة عقابية، يعتبر جريمة وسلوكا غير قانوني وغير وطني وغير إنساني، لأن الراتب حق للموظف مقابل عمل وليس مقابل انتماء لحزب أو ولاء لرئيس، ولأنه يعاقب أسرة بكاملها على خلفية موقف سياسي لرب الأسرة، كما يعزز ظاهرة النفاق السياسي والباطنية السياسية.

والخطورة أيضا في سياسة قطع الرواتب وما يضعها في سياق سياسي يتجاوز المشاكل الداخلية لحركة فتح أن كل أو أغلب المقطوعة رواتبهم من اللاجئين ومن قطاع غزة، وهو الأمر الذي يثير ضغينة بين (المواطنين) و (اللاجئين)، كما أنها تعزز القطيعة بين أبناء قطاع غزة من جهة والسلطة والرئاسة من جهة أخرى، وبين تنظيم حركة فتح في الضفة والتنظيم في غزة، ويصب في طاحونة صناعة دولة غزة، الأمر الذي يثير شبهات إن كان الذين وراء قطع الرواتب وتهميش غزة إنما يشاركون في صناعة الانقسام وينفذون مخططا مزدوج الأهداف:

1-          إضعاف حركة فتح وتقسيمها وخصوصا أن المؤتمر السابع الذي انتظره الفتحاويون طويلا يأتي في ظل حالة احتقان وغضب على قطع الرواتب، وأخشى ما نخشاه أن تؤدي مخرجات المؤتمر لفصل تنظيم فتح في غزة عن التنظيم في الضفة.

 

1-          دفع غزة للانفصال ليس فقط على مستوى تنظيم حركة فتح بل على المستوى السياسي العام، وهناك مؤشرات على تقارب في قطاع غزة بين حركة حماس وجماعة دحلان وبعض فصائل منظمة التحرير وجماعات أخرى، وهو تقارب تشجع عليه ومدعوم خِفية من جهات عربية ودولية.