زيارة أوباما للشرق الأوسط بين الممكن والمحتمل

تقدير استراتيجي

تشكل زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المنطقة مؤشراً قوياً على استمرار أهميتها الحيوية في السياسة الأمريكية، بالرغم من وجود اهتمام أمريكي متزايد بمنطقة المحيط الهادئ. ومن المرجح أن يعمل الرئيس أوباما على تكريس الإستراتيجية الأمريكية المبنية على تجنبُّ التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة، كما يُتوقع أن تأخذ المسألة السورية حيزاً كبيراً من زيارته، مع إعطاء الملف النووي الإيراني حيّزاً مناسباً.

وستبقى القضية الفلسطينية حاضرة في هذه الزيارة، إلا أنه من غير المتوقع أن يأتي أوباما بمبادرة حقيقية جديدة؛ ولكنه سيسعى لحلحلة حالة الانسداد في مسار التسوية السلمية وإيجاد بيئة مناسبة للعودة إلى طاولة المفاوضات، وتخفيف القيود الإسرائيلية، وبما يقوي الوضع السياسي الداخلي لقيادة المنظمة والسلطة وفتح في مواجهة أية استحقاقات قادمة.

مقدمة:

مع الإعلان عن زيارة سيقوم بها الرئيس الأمريكي أوباما في 20 آذار/ مارس إلى الشرق الأوسط (وتحديدا إلى "إسرائيل" والضفة الغربية والأردن ومصر وتركيا والسعودية طبقا لما أعلن)، يبرز سؤال مركزي عن ما يمكن أن تنجزه الزيارة ومحور اهتمامها.

البيئة العامة:

تأتي الزيارة في ضوء مجموعة من المؤشرات التي تشكل محددات لدبلوماسية الولايات المتحدة تجاه المنطقة بشكل عام والموضوع الفلسطيني بشكل خاص، إذ إنه من المتعذر الفصل بين البعدين، وتتمثل مؤشرات البيئة العامة في الآتي:

1- الإعلان عن نوع من التحول في الأولويات الجيوستراتيجية الأمريكية باتجاه زيادة التركيز على المنطقة الباسيفيكية (المحيط الهادي) من ناحية، وتقليص الوجود العسكري في أفغانستان عام 2014، بعد الانسحاب من العراق في الولاية الأولى لاوباما من ناحية ثانية. ولعل ذلك أثار بعض التساؤلات خاصة في "إسرائيل" عن مدى انعكاس ذلك على المكانة الإستراتيجية للشرق الأوسط بشكل عام، و"إسرائيل" بشكل خاص في الإستراتيجية الأمريكية. وذلك قد يجعل من هذه المسألة نقطة نقاش بين الرئيس الأمريكي وقادة المنطقة لا سيما الإسرائيليين والأتراك.

وقد تعززت مؤشرات التوجه الأمريكي الجديد بطبيعة الأشخاص الذين تم تعيينهم في مناصب مهمة في الإدارة الجديدة، لا سيما في الأجهزة الأمنية؛ مع تقليص لميزانية هذه الأجهزة بعد تخفيض ميزانية الدفاع.

2- تزايد الدراسات الأمريكية حول التقليص التدريجي للاعتماد الأمريكي على الطاقة الشرق أوسطية، وهو الأمر الذي لعب دورا في تحديد التوجهات العامة للسياسة الأمريكية خلال الفترة من عشرينيات القرن الماضي حتى الآن. ولعل ذلك يعزز الهواجس مرة أخرى إلى مدى الاستعداد الأمريكي للانخراط في أزمات المنطقة، بالشكل الذي دأبت عليه في المراحل السابقة. وقد يسعى أوباما لطمأنة دول الخليج و"إسرائيل" من أن ذلك لن يكون له آثار فورية ومباشرة على السياسة الأمريكية في المنطقة، وأن الأمر يبقى في نطاق "الاقتراحات والمشاريع المستقبلية".

3- في ظل الأعباء التي تركتها الحروب والأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأمريكي، فقد يحمل أوباما تصورا بمزيد من تحميل دول الخليج أعباء مالية أكبر في دعم الدول العربية المتسقة في سياساتها مع الولايات المتحدة، مثل الأردن والمغرب ومصر واليمن، وتخفيف الالتزامات الأمريكية تجاه هذه الدول.

4- من جهة أخرى، فإن المصالح الأمريكية التاريخية في المنطقة ما تزال على قدر كبير من الأهمية، ولا شك أن أوباما حريص على ضمان هذه المصالح في ظل اضطرابات واسعة في دول المنطقة قد تنطوي على عدد من المفاجآت غير المتوقعة التي قد تربك الدبلوماسية الأمريكية؛ وهي أمور لا بد من الاستعداد الأمريكي لها من خلال محاولة التواصل مع قادة المنطقة واستطلاع توجهاتهم. وقد يكون للقيادات العسكرية في المنطقة نصيبا في هذا التواصل.

 

مواضيع النقاش:

 

1- تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا، واحتمالات الرد السوري أو الإيراني أو حزب الله، وقد يكون نصيب القادة الإسرائيليين هو الأكبر في مناقشة هذه النقطة. ولا شك أن مرافقة جون كيري (وزير الخارجية الجديد) سيسهم في ترشيدٍ أكبر للقرار الأمريكي، بحكم خبرته في سوريا كسفير سابق في دمشق وأحد الخبراء الأمريكيين المرموقين في الشأن السوري، وبحكم علاقاته الودية السابقة مع الرئيس بشار؛ ناهيك عن بعض ميول يسارية لديه، تُخفف من آثار قوة الدفع التي أوجدها المحافظون الجدد في المنطقة خلال الفترات السابقة.

2-احتمالات اتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة، لا سيما في سوريا (بعد بروز دور جبهة النصرة والمخاوف من القدرة على الوصول للأسلحة الحكومية غير التقليدية)، وفي تونس (بعد اغتيال شكري بلعيد والأزمة الحكومية بين الجبالي وحركة النهضة)، وفي مصر (بعد استمرار الأزمة بين جبهة الإنقاذ والرئيس واستمرار العصيان المدني في عدد من المحافظات المصرية واحتمال توسعها)، ناهيك عن وجود القاعدة في اليمن وجنوب المغرب العربي، بل ومساهمة الحركة السلفية الأردنية في القتال في سوريا، وتصاعد دور القاعدة في العراق..الخ.

3- الدعوات المتتابعة من الولايات المتحدة لإيران للتفاوض بخصوص برنامجها النووي، مما ألقى ظلالا على احتمال اللجوء للخيار العسكري من قبل الولايات المتحدة أو مساندتها لضربة إسرائيلية للمواقع الإيرانية، وقد تكون هذه المسألة جزءا أساسيا من مناقشات أوباما مع القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية.

البعد الفلسطيني:

من غير الممكن فصل تداعيات أي من الأبعاد السابقة عن المشهد الفلسطيني، فكلٌ منها قد ينعكس بشكل أو آخر على تفاصيل الوضع الفلسطيني، ويتمثل الانشغال الأمريكي في البعد الفلسطيني في القلق من أن استمرار انسداد أفق التسوية قد يزيد الوضع الفلسطيني احتقانا؛ وهو ما قد يمهد لانتفاضة ثالثة قد تغير المشهد الفلسطيني تماما. ولتجنب ذلك قد تُركِّز الإدارة الأمريكية على الجوانب التالية في إطار تشجيع الطرفين على العودة للمفاوضات كمرحلة أولى:

1- قد تكون الأوضاع المالية للسلطة الفلسطينية ضمن انشغالات أوباما الأولية، فقد يعمل على تأكيد الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، لتحسين فرص السلطة في أي انتخابات قادمة ضد حماس؛ خاصة بعد مرور فترة عسر مالي شديد في الضفة الغربية. وقد يطمئن أوباما السلطة الفلسطينية بأن واشنطن ستقدم مساعدات بقيمة مائتي مليون دولار للسلطة الفلسطينية، والتي كانت قد أوقفتها منذ شهور. وليس هناك ما يحول دون طرح موضوع الحالة الاقتصادية الفلسطينية مع دول الخليج لحثها على الإسهام في هذا المجال.

2- قد يسعى أوباما إلى إقناع نيتنياهو بتقديم بعض "الإغراءات" للسلطة الفلسطينية، لإيجاد بيئة تُيِّسر على السلطة العودة للمفاوضات. وقد يشمل ذلك إلى جانب الدعم المالي الأمريكي:

أ- الإفراج عن بعض السجناء.

ب- منح السلطة نوعاً من توسيع الصلاحيات في المناطق التي تخضع للاحتلال، بهدف إيجاد شعور إيجابي يمهد للعودة للتفاوض.

ج- ليس هناك ما يحول دون احتمال أن يشجع أوباما كُلاًّ من الأردن والسلطة على فتح النقاش بينهما حول موضوع الكونفيدرالية. وهو أمر قد يجد صدى لدى قطاعات فلسطينية في الضفة الغربية، بالرغم مما قد يثيره من هواجس لدى قطاعات أردنية.

 

3- قد يعمل أوباما على بحث العلاقات الإسرائيلية التركية بهدف إعادة الدفء لهذه العلاقات. وقد يأخذ ذلك شكل إقناع "إسرائيل" بتقديم شكل من أشكال الاعتذار لتركيا على أزمة "أسطول الحرية"، وهو أمر تسعى له "إسرائيل" وييسر للولايات المتحدة تنسيق سياساتها في المنطقة.

 

4- لا شك أن تأكيد مصر على تجديد التزامها بمعاهدة السلام مع "إسرائيل"، واستمرار محطة المراقبة الأمريكية في سيناء، ستكون ضمن جدول أعمال أوباما مع الحكومة المصرية. ونظرا للشكوك في بعض الدوائر الإسرائيلية من التوجهات المستقبلية للإخوان المسلمين في مصر بشكل خاص، والوطن العربي بشكل عام؛ فإن نتائج محادثات أوباما مع المصريين سيكون له صدى إيجابي في "إسرائيل"، بشكل يعزز ميلها للعودة للمفاوضات.

 

5- تبقى مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، هي المشكلة الأكثر صعوبة في المدى القصير بسبب الإصرار الإسرائيلي على استمراره. لكن أوباما قد يسعى إلى طرح فكرة أن يكون الاستيطان (في حالة رفض التوقف عنه) في مناطق قد تكون ضمن الأراضي التي يمكن تبادلها لاحقا مع السلطة الفلسطينية في إطار الحل النهائي.

 

6- قد يسعى أوباما لتعزيز فرص مصر في الحصول على مساعدات مالية من بلاده أو البنك الدولي أو دول الخليج أو الأوروبيين؛ على أن تسهم مصر في استمرار "جذب" حماس نحو مزيد من فك ارتباطها بإيران بعد فك ارتباطها بسوريا، وبالتمسك بالتهدئة مع "إسرائيل"، وضبط وإغلاق الأنفاق وتهريب الأسلحة، كتوطئة للضغط باتجاه تحقيق تغيرٍّ لاحق من قبل حماس تجاه جهود التسوية السياسية. غير أن حماس أكدت مراراً في الأيام الماضية أن مرونتها السياسية لن تؤدي إطلاقاً إلى الاعتراف "بإسرائيل" أو التنازل عن أي جزء من فلسطين ... أو بما يتعارض بشكل عام مع ثوابتها الأيديولوجية.

 

خلاصة:

وبشكل عام، فإن أوباما سيولي الموضوعات غير الفلسطينية التي أشرنا لها أولوية في اهتماماته؛ إن التأثير الفلسطيني في المشهد الدولي، وخصوصاً الأمريكي، يرتبط بشكل أساسي بقدرة الفلسطينيين على ترتيب بيتهم الداخلي وتحقيق وحدتهم الوطنية، والاستثمار الإيجابي لطلقاتهم الكبيرة.

وما دام الوضع الفلسطيني يعاني من التشرذم والانقسام وفقدان الاتجاه وضعف القيادة وانعدام العمل المؤسسي؛ فستبقى قدرتهم على التأثير ضئيلة.

ومع استمرار حالة العجز العربي والإسلامي، وحالة التطرف الإسرائيلي، فإن تركيز أوباما في الموضوع الفلسطيني لن يكون على تحقيق نتائج مباشرة، بل على إيجاد بيئة تعيد التفاوض من ناحية، وتُحسِّن فرص حركة فتح وقيادات السلطة الفلسطينية في تحقيق نتائج أفضل في أية انتخابات قادمة.

توصيات:

1- التأكيد على أولوية ترتيب البيت الفلسطيني كمدخل لتقوية الوضع الفلسطيني، وزيادة قدرته على التأثير على الأجندة الأمريكية، بالإضافة إلى الإسرائيلية والعربية والإسلامية.

2- التنبه إلى عدم وقوع محمود عباس وقيادة المنظمة تحت بعض المغريات الهامشية الأمريكية الإسرائيلية، التي تتطلب تعطيل برنامج المصالحة، في سبيل استئناف مفاوضات التسوية، بشكلها المفرغ مسبقاً من المضمون، ومن احتمالات النجاح في تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.

 

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ الدكتور وليد عبد الحي بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

 

معد الدراسة: 
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات