الوجه الآخر لحرية سامر العيساوي

بقلم: 

انتزع الأسير الفلسطيني سامر العيساوي حريته. سيخرج نهاية العام من سجن الاحتلال إلى بيته نهاية العام الحالي، بعد إضراب عن الطعام استمر شهوراً.

إنجاز الشاب الفلسطيني المصمم على التحرر من قيود الاعتقال التعسفي الإسرائيلي يدعو إلى الإعجاب، لكنه يدعو أيضاً إلى التفكير في مصائر المعتقلين الآخرين الذين ما زالوا في قبضة السجان. ثمة 4900 أسير فلسطيني (بحسب أرقام «مؤسسة الضمير» لشهر نيسان/ أبريل)، ما زالوا في انتظار الحرية المعلقة.

نجاح سامر العيساوي في الحصول على حريته ينبغي ألا يخفي الملابسات التي تحيط بملف الأسرى الفلسطينيين، وبمجمل القضية الفلسطينية، استطراداً. ما حققه سامر، يظل فردياً يجسد تصميماً وبطولة شخصيين سانده فيهما العائلة والمجتمع المحيط أكثر مما فعلت المؤسسات السياسية الفلسطينية. هذا بالضبط ما يحبط في قضية سامر والقضايا المشابهة التي يفلح فيها الأسرى بتحرير أنفسهم بجهودهم ونضالاتهم الفردية في وجه الاعتقال والاحتلال.

أعلن عن الاتفاق على تحرير سامر في الوقت الذي كانت السلطة الفلسطينية تتخبط حول مسألة تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة سلام فياض. هذه الاستقالة التي تسلط الضوء على الافتقار المتسارع إلى الشرعية في كل مؤسسات السلطة بعد انقضاء فترات تكليفها القانونية وفق الانتخابات.

من جهة ثانية، لا يبدو في الأفق أي منحى لمصالحة بين حركتي «حماس» و «فتح». الانقسام متروك ليتكرس وليصبح عنصراً من عناصر المشهد السياسي الفلسطيني، مع كل ما يترتب عليه من إعاقة لأي مشروع وطني يرمي إلى إنهاء الاحتلال.

المشكلة الأكبر تكمن في تفكك القضية الفلسطينية إلى مجموعة من المسائل الأصغر: اللاجئون. الأسرى. المستوطنات. تمويل السلطة. الحوار الوطني. حصار غزة...الخ. حتى ليبدو للناظر أن ليس من قضية واحدة يضمها إطار وطني فلسطيني واحد.

وإذا أُخذت مشكلة اللاجئين مثلاً، لظهر أن ضمنها جملة من المشاكل التفصيلية. في لبنان، على سبيل المثال، تبرز في الشمال مسألة إعادة إعمار مخيم نهار البارد المدمر، والوضع الأمني الهش في مخيم عين الحلوة والحصار الذي تعاني منه مخيمات بيروت. لا مجال لعلاج أي من هذه الظواهر في غياب مرجعيتين سياسيتين لبنانية وفلسطينية قادرتين على إقامة حوار جدي بينهما. اللجان العليا والمشتركة واجتماعات التنسيق اللبنانية- الفلسطينية المستمرة منذ أعوام لم تسفر عن شيء. وفاقم سوء الوضع وصول أعداد من اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى لبنان من دون أن تبادر أي هيئة لبنانية أو دولية إلى الاهتمام بهم.

عليه، تبدو النقاشات حول الحكومة الفلسطينية المقبلة كأنها أصداء قصة سوريالية حيث تدور حوارات حول اسم الشخص المناسب وقدرة رئيس السلطة محمود عباس على تولي المنصب وما شابه من معضلات فيما تنزلق القضية الفلسطينية كل يوم إلى درك جديد من تجاهل العالم لها وتبدد قواها وانفكاك أقرب أصدقائها عنها.

بكلمات ثانية، القضية الفلسطينية لن تختفي كما يأمل الإسرائيليون الذين خططوا ونفذوا سياسة قضم واستئصال واعية لكل ما يجعل من فلسطين حاضرة في العالم، لكن ضخ الزخم اللازم إلى مفاصل الحياة السياسية الفلسطينية وإيجاد الأطر والأدوات الجديدة لا يمكن أن يقوما على بطولات فردية. بل الأقرب إلى الصواب أن أعمالاً مثل إضراب سامر العيساوي عن الطعام ما كانت لتحدث لولا اليأس من «العمل الوطني الفلسطيني» الغارق منذ أعوام في متاهات رام الله وغزة.

المصدر: 
الحياة