«أصدقاء صامتون» لإسرائيل

بقلم: 

شهد العام الماضي ويشهد الحالي، الاحتفاليات العشرين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الكيان الإسرائيلي ودول آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان). ففي 21 شباط 1992، أقيمت «احتفالية تبادل الملاحظات لإقامة العلاقات بين إسرائيل وجمهورية أوزبكستان على مستوى السفارتين»، وكان ذلك أول تحرك عبري رسمي تجاه المنطقة، بعدما كانت إسرائيل «محرومة» من العلاقات الديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي السابق. وكرّت السبحة ليشهد العاشر من نيسان من العام نفسه احتفالية مماثلة في العاصمة الكازاخستانية السابقة آلما آتا. وانتهت تلك العملية في تركمانستان أواخر العام 1993. عقدان من الزمن استطاعت إسرائيل خلالهما أن «تجتاح» الإرادة السياسية الخارجية لتلك البلدان، وضمنت تماهي البلدان السبعة في المحافل الدولية إلى حد كبير، (على الرغم من الخلافات الداخلية والحدودية في ما بينها) مع الخيارات الإسرائيلية، بغض النظر عن القرار الدولي المطروح للبحث.
في بداية التسعينيات، وخلال سنتين فقط، استطاع كيان العدو أن يخترق الجسم الإسلامي لآسيا السوفياتية السابقة. ولم يكن يحلم صانعو القرار في الدولة العبرية آنذاك بذلك «الفتح الديبلوماسي». فعلى الرغم من زرع كيانهم في الجسم العربي لأكثر من أربعين عاما، فإن علاقاتهم لم تكن قد امتدت سوى إلى دولتين إسلاميتين فحسب (مصر وتركيا). وسرعان ما بدأت تظهر ثمار تلك العلاقات في حقول مختلفة، على رأسها التبادل التجاري والثقافة والصحة والعلوم والتعليم. وهي في نمو مضطرد إلى اليوم.
مؤشرات التفاعل الإسرائيلي مع المنطقة خلال العقد الأخير، تدل على ديناميات إيجابية مختلفة، تقوم على المنفعة المتبادلة بين أنظمة تلك البلاد وكيان العدو. ووصل حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وكازاخستان (كبرى دول المنطقة)، في العام 2010، إلى مليار و376 ألف دولار، متجاوزاً بنسبة 10 في المئة العام الذي سبقه. وتجاوز في العام الماضي عتبة 1,5 مليار دولار، محافظاً على نسبة الزيادة سنوياً. أما في البلدان الأصغر، كأوزبكستان مثلاً، فتفيد مصادر إسرائيلية أن نسبة التبادل التجاري معها نمت من نحو 25 مليون دولار في العام 2008، لتتجاوز الـ 50 مليونا في العام الماضي، أي بنسبة تجاوزت المئة في المئة.
في المقابل، تهافت دول آسيا الوسطى على إقامة علاقات مع إسرائيل، كانت له أسبابه الموجبة في بداية التسعينيات، وفق المحللين، إذ إن الاتحاد السوفياتي في العقود التي سبقت انهياره، «كان يجاهر ديبلوماسيا بنصرة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية».خارجياً لم تجد تلك البلدان ما يجمعها مع الطرح السوفياتي السابق فور حصولها على الاستقلال. أما داخلياً فقد ناءت تلك البلدان تحت عبء سوء توزيع الثروات في تلك العقود، ودفعت ثمناً باهظاً لمركزية الدولة في موسكو
لم تلق العلاقات الفتية بين تلك البلدان وإسرائيل معارضات كبيرة من المواطنين، في ظل عدم استقرار سياسي، ونزاعات أهلية وإثنية، واختلافات كبيرة بين عدد من تلك الدول، وانعدام الأمن في بعضها لسنوات. إلا أن مراقبين يرون أن إسرائيل كانت تعد العدة، وتلعب على وتر تلك العلاقات المتشنجة بين بلدان آسيا الوسطى، فانفردت في علاقتها مع كل منها على حدة، وتعاملت وفق ما يخدم مصالحها.
وباتت لتلك الدول «رؤية متشابهة مع إسرائيل حول العديد من القضايا الدولية، بعد تطوير الحوار السياسي». ومن المثير للاهتمام مراقبة نتائج التصويت في الأمم المتحدة خلال العقدين الماضيين، وكذلك في الوكالات المتخصصة التابعة للمنظمة الدولية، في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني والاستيطان وتصرفات إسرائيل العدوانية تجاه لبنان وسوريا.
لعلّ الجريمة البشعة التي اقترفتها الدولة العبرية، تجاه «أسطول الحرية» في أيار 2010، من الشواهد على مدى تنامي العلاقات بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى. فالجريمة استولدت ردود فعل قوية على الساحتين العربية والإسلامية، ولدى المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. إلا أن رد فعل كازاخستان على الجريمة كان خجولاً، فعبرت عن أسفها ولم تدن إسرائيل، بينما أملت أوزبكستان في «إيجاد حل سريع للوضع». ودعت إلى «التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة». ورأت أن «استخدام العنف قد يكون له عواقب غير مقصودة». بينما اكتفت كل من طاجيكستان وتركمانستان بالقول إن ما جرى «يتعارض مع القانون الدولي في ما يتعلق بالسفن التي تحمل إمدادات إنسانية». وقد أتت ردود فعل تلك الدول بما «لا يشبه الإدانة» لإسرائيل، التي ضمنت ما يشبه الحياد منها. وقد تكرر على مدى السنوات الماضية «الصمت»، أو «عدم التصويت» في المحافل الدولية من تلك الدول تجاه ما ترتكبه إسرائيل من تجاوزات للقوانين الدولية على الساحة الفلسطينية.
ولا تخفي إسرائيل أنه «على الرغم من التعاون المثمر والمتنوع للغاية بين إسرائيل ودول آسيا الوسطى، فمن الصعب أن نتوقع دعمهم التام (...) للسياسة الخارجية». ويرجع الخبراء الإسرائيليون ذلك إلى «تعقيدات في تحديد مواقع بلدان آسيا الوسطى في الفضاء الجغرافي السياسي العالمي، وإلى مكانة خاصة من إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، ومشكلة حوارها مع غالبية دول العالم الإسلامي». ولذلك تضمن الدولة العبرية إلى جانبها «أصدقاء صامتين»، إلى أن يتحولوا إلى «أصدقاء فاعلين»، مع تنامي عملية«الحوار السياسي البناء».

المصدر: 
السفير