الفلسطينيون في سوريا بين الحاضر واحتمالات المستقبل

بقلم: 

ذكّرت المستشارة السياسية والإعلامية الدكتورة بثينة شعبان في مقابلة أجرتها معها في 7 حزيران، قناة "الميادين" التي تبث من بيروت، أن وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول اقترح على بشار الأسد في سنة 2003 ترحيل فلسطينيي سوريا وأن بشار الاسد رفض ذلك.
قد يبدو الأمر للبعض أن ما جاء على لسان المستشارة هو في سياق تأكيد نظام الأسد على محورية القضية الفلسطينية، لكن ما قرأه البعض الآخر، وهي قراءة تستوجب التوقف عندها، أن بثينة شعبان إنما أرادت من خلال التذكير بأن الغرب لطالما سعى إلى اقناع سوريا بالتخلي عن الفلسطينيين؛ قضية وديموغرافيا، بأن الملف هذا يبقى مفتوحاً على مصراعيه، وللفت انتباه الفصائل الفلسطينية بضرورة التنبه لمواقفهم وللاجئين الفلسطينيين في سوريا بأنهم قد يدفعون ثمن تأييد معظمهم للثورة السورية، عبر استجابة النظام لمقترح باول؛ والمثل على ذلك، ابعاد حركة "حماس"، التي كانت جزءاً من "محور الممانعة"، من دمشق في اللحظة التي فكرت فيها بعدم الولاء لنظام الأسد، ولمجرد اعتذارها عن أخذ موقف علني مناهض للثورة الشعبية.
حقوق الفلسطينيين بين عهدين
يعتقد بعض جمهور "الممانعة" وحتى جمهور "الاعتدال" العربي، أن نظام آل الأسد هو من أعطى الفلسطينيين حقوقاً مدنية واقتصادية قلمّا تمتعوا بها في مواقع لجوئهم في الدول العربية. صحيح أن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا مميزون عن غيرهم من إخوانهم اللاجئين، لكن الصحيح أيضا أن هذه الحقوق ليست هبّة من نظام آل الأسد، إنما نالوها قبل استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، وقد نُظّمت شؤون اللاجئين الفلسطينيين في القانون 60 لسنة 1956 الذي ساوى بين الفلسطيني والسوري في جميع المجالات الوظيفية والمهنية والعلمية باستثناء أمور تخصّ الانتخابات والترشيح لعضوية مجلس الشعب مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية.
لم يغير استيلاء البعث على السلطة في سوريا في آذار 1963 كثيراً من أمور الفلسطينيين، بل في سنوات ما قبل استيلاء حافظ الأسد على السلطة، كانت سوريا ممراً ومستقراً للفلسطينيين، مدنيين وعسكريين وسياسيين. إذ ازدهرت، وبتسهيل من الحكومات البعثية المتعاقبة، قواعد الفدائيين، وفُتحت مراكز التدريب العسكري لمختلف الفصائل من دون تدخل مباشر من السلطات السورية، التي استقبلت أعداداً كبيرة من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، كما سهّلت السلطات للفدائيين القيام بعمليات عبر الحدود السورية ـ الفلسطينية، وبالعبور من سوريا باتجاه لبنان والأردن.
هذه السنوات الذهبية للفلسطينيين التي بدأت مع وصولهم إلى سوريا بعد النكبة، كانت قد شارفت نهايتها مع انقلاب حافظ الأسد ـ مصطفى طلاس في 16 تشرين الثاني 1970 الذي أطلقت عليه تسمية "الحركة التصحيحية" وتولي الأسد (الأب) الرئاسة في 1971، والتي كان أول معالمها فلسطينياً؛ سحب القوات السورية التي دخلت إلى الأردن لمؤازرة الفدائيين وكشف ظهرهم مما سهل على الجيش الأردني كسب ما يعرف بمعارك أحراش جرش وعجلون. ومن ثم الانقلاب على التحالف القائم بين النظام السوري وبين منظمة التحرير والحركة الوطنية في لبنان في 1976 والدخول الى لبنان تحت لافتة الدفاع عن المسيحيين فيه بموافقة أميركية ـ إسرائيلية ـ عربية، واستكمال مشروع الهيمنة على الفصائل الفلسطينية من خلال إحداث انشقاق في حركة "فتح" في سنة 1983 في خضم خوض حرب عصابات ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجبل والجنوب، وصولاً إلى مساعي إضعاف التمثيل الشرعي لمنظمة التحرير للشعب الفلسطيني، ودعم "حماس" ضد "فتح" في زمن الأسد الإبن.
أما على صعيد الحقوق المدنية والاقتصادية، فإنه وفيما كان يحق للفلسطينيين ولوج مختلف مجالات العمل والتعلم في مختلف الكليات في الجامعات السورية الرسمية قبل بدء حكم آل الأسد، فإن قيوداً بمراسيم حكومية، أو بأوامر تنفيذية غير معلنة، وضعت أمامهم بعد ذلك، فلم يعد بإمكان الفلسطيني العمل في الوزارات بعدما كان عدد منهم وصلوا إلى منصب وكيل وزارة، كما أنه لم يعد بإمكان الضباط الفلسطينيين من الرتب العالية الخدمة في الجيش السوري فيما كانوا قبل ذلك يتولون مناصب مهمة وحساسة في الجيش السوري، ولم يعد بإمكان الفلسطينيين، في عهد بشار الأسد، العمل في التعليم الرسمي كما حظر على التلاميذ التسجيل في بعض الكليات، خصوصاً التطبيقية منها.
الفلسطينيون والثورة السورية
إذا كانت تلك هي حالة الفلسطينيين في سوريا منذ اللجوء ما بعد النكبة حتى ما قبل اندلاع الثورة الشعبية، فما هو وضعهم خلال الثورة، وما هي احتمالات المستقبل: إذا تمكن النظام من البقاء وفشلت الثورة؛ وإذا سقط النظام ونجحت الثورة؟
من نافل القول، أنه ما عدا وجود مجموعة لا بأس بها في مخيم حندرات في ريف حلب، وقفت إلى جانب النظام السوري، فإن معظم الفلسطينيين، في دمشق ودرعا وحمص واللاذقية؛ إما انخرطت إلى جانب الثوار أو أنها أيدت الثورة من دون الانخراط مباشرة فيها.
ديموغرافياً، تستأثر دمشق بـ 67% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين البالغ تعدادهم 528,711 نسمة حتى 1 كانون ثاني 2013، يقطن أغلبهم في مخيم اليرموك، أما في باقي المحافظات فيتوزعون على النحو التالي: درعا8%؛ حلب 5%؛ حمص 5%؛ حماة 2%؛ اللاذقية 2%. أما النسبة الباقية (11%) فهي موزعة خارج المخيمات وخصوصا في دمشق وريفها.
يسكن معظم اللاجئين الفلسطينيين، وفق التوزع السكاني أعلاه، في مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، وهم يعتبرون جزءاً من النسيج الاجتماعي السوري، وبالتالي هم منخرطون في الثورة أو مؤيدون لها، تبعاً لتوزعهم الجغرافي واندماجهم الاجتماعي.
أي مستقبل؟
يشي تذكير بثينة شعبان في مقابلتها مع "الميادين" الوارد في مستهل المقالة، والتجارب السابقة لنظام عائلة الأسد بشأن الفلسطينيين، بأنه فيما لو تمكن هذا النظام من البقاء، فإنهم سوف يكونون أبرز الضحايا الذين سيُقَدّمون، مع قضيتهم، للغرب كقربان في مسعى لإعادة ربط علاقة معه، وكعربون وفاء للموقف الإسرائيلي الداعم ديبلوماسياً من خلال مطالبة تل أبيب لواشنطن والدول الأوروبية، عدم تسليح المعارضة والحفاظ قدر الإمكان على بقاء نظام الأسد، الذي حمى حدود إسرائيل مع الجولان طيلة 4 عقود، وللدعم اللوجستي والعملاني من خلال السماح لدبابات النظام السوري بدخول المنطقة منزوعة السلاح والالتفاف على مقاتلي المعارضة في الجولان خلال المعارك التي دارت مطلع حزيران الجاري قرب خط الهدنة في الهضبة المحتلة، وأولاً وأخيراً عقاباً لفلسطينيي سوريا على تأييدهم الثورة. وجل ما يمكن أن يتبقى من الشأن الفلسطيني في سوريا، ورقة تستخدم هنا وهناك، ولطالما كانت القضية الفلسطينية بنظر النظام مجرد واحدة من أوراق الضغط التي تُشْهر في مقابل السماح ببقاء النظام.
على المقلب الآخر، فإن المعارضة السورية تبدو مربكة إزاء الشأن الفلسطيني وكيفية التعامل معه. وهي فيما تعي ميدانياً الدور الإيجابي الذي لعبه الفلسطينيون لمصلحتها، من خلال فتح مخيم اليرموك أمام النازحين السوريين من جوار المخيم، الهاربين من المقتلة التي باشرها النظام السوري منذ بدء الانتفاضة، وفتح المراكز الطبية في المخيم لعلاج الجرحى المدنيين ومن الثوار، ثم رفض المخيم لـ"اللجان الشعبية" الموالية للنظام التي شكلتها "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل، والانقلاب عليها واستخدام السلاح الذي اعطي لبعض عناصرها الى جانب الثوار، فإن بعض تلك المعارضة المسلحة، قامت بممارسات سلبية ضد سكان اليرموك دفعت شباب تنسيقية المخيم الى توجيه انتقادات وتحذيرات علنية من مخاطر الاستمرار بتلك الممارسات، وقد كان هؤلاء الشبان من طليعة المشاركين في التظاهرات في المخيم وفي منطقة الميدان قبل ان تستخدم اجهزة النظام القمع الوحشي ضد المتظاهرين، وعشرات منهم دفعوا الثمن شهادة او إصابات وملاحقات واضطرار لمغادرة سوريا بعدما قررت اجهزة النظام ومواليها من الفلسطينيين اغتيالهم. وقد لامس عدد الشهداء الفلسطينيين حتى شهر حزيران الجاري 1400 شهيد وآلاف الجرحى ومئات المعتقلين فضلا عن نحو 80,000 لاجئ إلى خارج سوريا، معظمهم في لبنان، وعشرات الاف النازحين من أمكنة سكنهم داخل سوريا.
ما جرى في مخيم حندرات في حلب، الذي سيطر الثوار عليه، مثال على ما قد يلاقيه الفلسطينيون من قبل بعض مجموعات المعارضة المسلحة، غير المنضبطة، حيث وبسبب وقوف بعض شبان المخيم الى جانب النظام، سيق كل السكان، حتى المؤيدين منهم للثورة، الى معتقلات أنشأها الثوار.
ويقول ناشطون فلسطينيون منخرطون إلى جانب الثوار، إنهم ورغم وجود بعضهم في الهيئات القيادية للمجالس الثورية كأفراد، إلا أنهم فشلوا في اقناع المعارضة بضرورة أن تنشأ لجان تنسيق رسمية وواضحة ومعلنة، وأن لا يقتصر الأمر على التمثيل الفردي، بما يسمح بتلافي السلبيات في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم او خارجها.
كما أن اللافت، رفض الهيئات السياسية القيادية للمعارضة، الميدانية في الداخل والسياسية في الخارج، إنشاء مكتب خاص بالفلسطينيين، تحت ذريعة أنه ليس الوقت الملائم لذلك، وأن الأمر قد يثير حفيظة بعض "أصدقاء سوريا"، علماً أن هؤلاء، الغربيين منهم تحديداً، لم يقدموا للثورة سوى الوعود بالسلاح من دون سلاح بل وبمنع بعض العرب من المبادرة الى التسليح، والتصريحات العلنية المؤيدة للمعارضة، لكن في الوقت نفسه ممارسة اقسى الضغوط السياسية والديبلوماسية والمالية على المعارضة لقبول التفاوض مع النظام، والقبول بتسوية تبقي النظام ضعيفا ولا تعطي للشعب حق اختيار نظام حكم يقرره بنفسه، في عملية يرفضها السوريون الذين ضحوا بمئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين وملايين النازحين واللاجئين، وتدمير مدن وقرى بكاملها، لإسقاط نظام آل الأسد.
أما الفصائل والهيئات الممثلة للفلسطينيين، سواء التابعة لمنظمة التحرير او الفصائل الاسلامية، كـ"حماس" و"الجهاد"، فإنها لم تجد حتى اليوم طريقاً إلى التفكير بمستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهي تبقى رهينة الحاضر والاصطفافات "الممانعاتية" و"الاعتدالية"، ما قد يترك نحو نصف مليون فلسطيني في سوريا أمام مستقبل مجهول.
إن العنصر الفلسطيني في سوريا، وعلى الرغم من ضآلة حجمه مقارنة مع المحيط الديموغرافي السوري ـ نصف مليون مقابل 24 مليونا ـ يبدو قابلاً للاستخدام إيجاباً وسلباً في المستقبل، وبالتالي على الهيئات التمثيلية الفلسطينية والهيئات التمثيلية الثورية السورية، أن تتعاون للحيلولة دون إمكانية استخدام النظام وجماعة "الممانعة" الوجود الفلسطيني مستقبلاً بشكل سلبي، بعدما حال التفاف الفلسطينيين حول الثورة السورية.

المصدر: 
المستقبل