الفلسطينيون بحاجة إلى حديث قوي من أوروبا

بقلم: 

ما من شك في أن الإعلان النهائي الذي سيصدر عن اجتماع قمة مجموعة الثماني في آيرلندا الشمالية الذي سينعقد الأسبوع الحالي، سيتضمن الحديث عن قضية السلام في الشرق الأوسط، وربما يكون داعما لمساعي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لإحياء مفاوضات السلام. على أي حال، سوف يذهب أي تصريح طي النسيان بمجرد انتهاء القمة. لكن رغم ذلك، تستطيع أوروبا أن تساعد كيري في مساعيه.

يجدر بنا أن نتذكر أنه قبل انعقاد قمة مجموعة الثماني مباشرة قبل عامين، ألقى الرئيس الأميركي أوباما خطابا بارزا حول الشرق الأوسط، تضمن تعبيرا مهما وهو الحب القاسي. فقال رئيس الولايات المتحدة، الراعية التقليدية لإسرائيل، إن الأساس للمفاوضات المتعلقة بالأراضي يجب أن يتضمن تبادل أراض على أساس الحدود التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967 - الدعوة كررها وفد الجامعة العربية العام الحالي.

ونظرا لأن الخطاب حدد شروط تبادل الأراضي للوصول إلى اتفاق سلام، لذا لم يلقَ خطاب أوباما قبولا لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهو ذاته ما حدث في الولايات المتحدة، حيث وجه ميت رومني، أحد زعماء الحزب الجمهوري، اتهامات إلى أوباما بأنه «يحاول التضحية بإسرائيل»، وإلى جانب ذلك لم يلق الخطاب دعما من الديمقراطيين أيضا.

وقد حاز أوباما استحسانا أوليا من الأوروبيين، ثم أعقب ذلك فترة من الصمت. وللأسف، لم تدعم «اللجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط» - الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة - خطاب الرئيس الأميركي بشكل كاف. وبعد مسودات كثيرة في صيف 2011، ساعدت موسكو في منع إصدار أي تصريح من قبل «اللجنة الرباعية» لتوجيه الدعم للخطاب نظرا لبعض جوانبه التي شعرت بأنها لا تلقى القبول والاستحسان الكافيين من الفلسطينيين.

ولم يشهد موقف «اللجنة الرباعية» أي تحسن على الإطلاق. ولم تعد هذه اللجنة قوة دبلوماسية، رغم أن مبعوثها الخاص، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، قد شارك في إجراءات اقتصادية وحوكمة مواتية لدعم الفلسطينيين.

لقد آن الأوان لإصدار خطاب أوروبي موحد، يكون مضاهيا لخطاب أوباما. ولو قال الرئيس الأميركي للإسرائيليين أشياء لا يرغبون في سماعها، فعلى الاتحاد الأوروبي، الراعي التقليدي للفلسطينيين، أن يخبر الفلسطينيين بما يحتاجون إلى سماعه. ومن شأن هذا الخطاب أن يمنح كيري فرصة للنجاح، بيد أن ذلك لا يعد ضمانة له. كما أن خطابا كهذا سيعلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه لا يملك شيكا على بياض من أوروبا، فلصبر الاتحاد الأوروبي مع الفلسطينيين حدوده. كما سيخبر الإسرائيليين بأن الباب ليس موصدا أمامهم على الساحة الدولية.

يصعب على الأوروبيين القول بأن الفلسطينيين استنفدوا خيارات التفاوض، نظرا لأن محمود عباس كان قد وافق على إجراء مباحثات لمدة ثلاثة أسابيع فقط خلال السنوات الأربع الماضية، ونظرا لأنه كان قد جرى تقديم عرض إسرائيلي في سبتمبر (أيلول) 2008 من قبل رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، إيهود أولمرت، ولكنه لم يتلق أي رد.

وبطبيعة الحال، فإن نتنياهو ليس بعيدا عن نطاق اللوم. فلننظر إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية. لكن مسار التفاوض لم يتعرض للاختبار خلال سنوات كثيرة، رغم الأسطورة التي تزعم عكس ذلك. وباستثناء عام 2008، كان الطرفان قد اتفقا على إجراء مباحثات حول الوضع النهائي أو القضايا الجوهرية مرة واحدة أخرى فقط - في عامي 1999 و2000، خلال السنوات الأخيرة لفترة رئاسة بيل كلينتون في البيت الأبيض.

ومن أجل منح مباحثات السلام في الشرق الأوسط فرصة جديدة، فيما يلي بعض النقاط التي ينبغي أن يتضمنها الخطاب الأوروبي:

* الطريق الوحيد لتحقيق إقامة دولة فلسطينية هو من خلال إجراء مباحثات مباشرة وغير مشروطة مع إسرائيل. وقد تضمن خطاب مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي الكثير من ذلك في إعلان دبلوماسي، لكن الخطاب لم ينقل إلى الفلسطينيين مباشرة. وسوف تؤيد الأمم المتحدة عن طيب خاطر إقامة دولة فلسطينية، إلا أن مجلس الأمن الدولي كان قد حال دون ذلك في الماضي، والانضمام إلى «اليونيسكو» لن يرفع السيطرة الإسرائيلية عن الضفة الغربية. يتعين على الفلسطينيين إعطاء فرصة لتجربة التفاوض. فالطريق إلى إقامة الدولة يمر عبر السلام.

* لكل من اليهود والعرب روابط تاريخية بالأرض، ومن ثم يجب مشاركتها بينهم.

* يستطيع أي لاجئ فلسطيني أن يذهب إلى دولة فلسطين الجديدة، ولكن ليس إلى فلسطين وإسرائيل.

* إسرائيل لا تخطئ بإصرارها على اتخاذ ترتيبات أمنية صارمة. إن الأمن ليس أمرا مساعدا لأي اتفاق. فمثلما يحتاج العالم إلى التعاطف مع محنة الفلسطينيين، ينبغي لنا كذلك أن ننظر إلى المسائل الأمنية من خلال أعين إسرائيل. فعلى الحدود بين مصر وغزة، يتم استخدام الأنفاق لتهريب الصواريخ إلى غزة التي أمطرت بها المدن الإسرائيلية بشكل متكرر ومن دون تمييز. وليس هناك شك في أن بعض جوانب قرار مجلس الأمن رقم 1701 التي تدعو إلى فرض حظر على إرسال الأسلحة إلى حزب الله بعد حرب لبنان عام 2006 لم تنفذ على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، لا يمكن لمراقبي حفظ السلام الدوليين أن يكونوا الأساس الوحيد للأمن - كما يتضح من القرار الذي اتخذته النمسا مؤخرا بالانسحاب من قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك المتمركزة بين القوات السورية والإسرائيلية.

وخلال المحادثات غير الرسمية، يتفق الكثير من الدبلوماسيين الأوروبيين على الكثير من هذه النقاط. لكن أيا من القادة الأوروبيين لم يظهر شجاعة أوباما في دعم تلك النقاط علانية. وربما يكون الوقت قد حان لكي يوقف الأوروبيون الشكوى بشأن غياب النجاح الأميركي في الشرق الأوسط. فهوية المرسل ليست بالأمر المهم، ما يهم هو ضرورة أن تكون هناك رسالة موحدة.

تستطيع أوروبا أن تحدث تأثيرا. لقد أخبر الرئيس أوباما الإسرائيليين بأنه يجب ألا يخالجهم أي شك بشأن الثمن الإقليمي الذي يتعين دفعه لإنهاء الصراع. وعلى الأوروبيين، وهم ليسوا أقل دعما للفلسطينيين من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، فعل الشيء ذاته مع الفلسطينيين. على الأوروبيين أن يخبروهم بأن دعم الاتحاد الأوروبي لن يكون من دون قيد أو شرط بعد اليوم.

إن القيادة ليست إخبار المرء أصدقاءه بما يرغبون في سماعه، بل فيما يحتاجون سماعه. وتحتاج أوروبا إلى الرد بالمثل على خطاب أوباما - أي خطاب آخر مشابه يأتي من جانبها.

المصدر: 
الشرق الأوسط