خيمة نتنياهو ... ورحلة عساف

بقلم: 

على عادته في بث الفرقعات الاعلامية، للتشويش على العمل السياسي الحقيقي، قال السيد نتنياهو " لو ان الوزير كيري نصب خيمة على الحدود بين القدس ورام الله، وابى ان يغادرها الا بعد تحقيق السلام، لسكن الخيمة معه واعتصم فيها حتى ينجز الاثنان ما اعتصما من اجله" .

كل من قرأ هذا التصريح ، سخر من استخفاف رئيس الوزراء الاسرائيلي بعقول الناس، وسخر كذلك من رهانه الساذج على ان قولا كهذا ربما يمنحه جائزة نوبل للسلام ، ويقدمه للعالم على انه حمامة مهيضة الجناح قليلة الحيلة، ليس لها سوى الاعتصام كما يعمل ذوو الاسرى الذين تمتلىء سجون نتنياهو بهم.

واذا كان لابد من فتح نقاش مع السيد نتنياهو، حول خيمته الافتراضية التي لن يقيمها الوزير كيري، وبالتالي لا امل لنتنياهو في التقاط الصور كمعتصم بداخلها، فاني اقول للسيد نتنياهو ما يلي:-

بدل الخيمة حيث ادمنا الخيام سواء كانت بيتا للاجىء الفلسطيني، او مقرا للاعتصام احتجاجا على تمادي القهر والذل والاحتلال.

بدل هذه الاستعارة البائسة التي استخدمتها بصورة اثارت السخرية، فاني اقترح عليك ان تعيش يوما واحدا كما يعيش الفلسطيني ، ولأنك تحب التمثيل والمناورات فلا بأس من ان تتخفى وتذهب كمواطن الى الخليل مثلا ومن هناك تبدأ رحلتك مع الحياة والاحتلال.

ما ان تغادر بيتا فلسطينيا في المدينة القديمة ، حتى تتعرض من الدقيقة الاولى لأذى المستوطنين ، اما بالشتائم او بالاحتكاك الجسدي ، ولأنك رجل قوي البنية فسوف تتجاوز حاجز المستوطنين، لتواجه حاجز حرس الحدود المنوط به حمايتهم، اي حماية استفزازهم لاهل الخليل، واذا كان الحاجز متعاونا في ذلك اليوم فسيطلب منك على الاقل ابراز بطاقتك، ويقوم بتفتيشك جسديا، ثم يسمح لك بالمرور . تصل الى مواقف السيارات وبالتأكيد لن تذهب الى "النمر الصفراء" نظرا لعدم حصولك على تصريح يؤهلك دخول القدس، اذا سوف تذهب الى " النمر الخضراء " حيث الممر الاجباري المسمى "بالكونتينر" الذي يشبه مركزا حدوديا بين دولتين متحاربتين ، فان كنت محظوظا تمر بسهولة نظرا لانشغال الجنود على الحاجز بجدال حول من يفوز في مباراة الليلة ، مكابي تل ابيب ام مكابي حيفا، وقد يتراهن الجنديان على عشرة شواقل وقد يسألونك من تعتقد انه الفائز ، اما اذا كنت سيء الحظ ، ووقعت مع جنود معقدين فسينزلونك من السيارة ويأمرونك بجلوس القرفصاء في مواجهة الجدار، وقد تستمر في هذا الوضع ساعة او اثنتين، وبعد ذلك اما ان تؤمر بالمواصلة، او بالعودة من حيث اتيت.

لنفترض انه سمح لك بالمرور ، فان كنت ذاهبا الى اريحا قد تصل بعد تفتيش روتيني على حاجز للشرطة، يسأل غالبا عن الرخص والتأمين وما الى ذلك، اما اذا كنت متوجها الى رام الله، وتصادف ان شوهد جسم غريب على قارعة الطريق، فيتعين عليك ان تنتظر ساعات في طابور سيارات طوله في معظم الاحوال خمس كيلو مترات ، ثم تعبر حاجز قلنديا ، الذي ان لم يعطل السير عليه جنود من حرس الحدود او الجيش، فان تفتيش سيارة واحدة في ذلك المكان المزدحم، يرغمك على البقاء حيث انت ساعات اخرى، وقد تحظى برؤية امرأة حامل تضع طفلا تحت ناظريك .

عفوا دولة رئيس الوزراء ، لن اكمل ولن اتحدث عن احتمالات الاعتقال او الاهانة بمختلف الاشكال، او القتل بحجة انك لم تقف حين امرك الجندي .

لو فعلت ذلك متخفيا فهل ستغير رأيك في مسألة الخيمة؟ ام انك ستشعر بالسعادة لأن الاحتلال يقوم بما يجب، وفق فهمك للامن والامان، وان الخيمة وجدت لسكن الفلسطيني ولاحتجاجه على سياستك ، ام انك طامع في الخيمة ايضا؟

يوم أعلنت عن الخيمة الافتراضية التي ستسكن فيها مع الوزير كيري ، كان شابا فلسطينيا قد ذاق اكثر من الامرين كي يصل الى حيث الاختبارات الاولية للمواهب الشابة وما ان وصل متسلقا حوائط واسواراً وحواجز، حتى وضع قدمه على اول الطريق فاذا به يحقق اهم بطولة فنية في زمننا العربي الفارغ من البطولات الاخرى.

رحلة عساف وأهله، تنطبق على الحالة الفلسطينية باجمالها..

فبدلا من الخيمة التي تتحدث عنها وهي من الفرضيات المستحيلة ، اخرج جيشك وحواجزك من الاراضي الفلسطينية ، وسترى شعبا خلاقا مبدعا يفوز باهم بطولة تبدو حتى الان مستحيلة ، انها بطولة السلام والحرية والاستقلال والبناء والغناء.

ملاحظة أخيرة.

لو ان الفلسطينيين تآلفوا في السياسة كما تآلفوا في الفن لكنا بحال افضل الف مرة مما نحن فيه الان.

 

 

المصدر: 
القدس